هل فكرنا يوما لماذا نسمى أحد أهم الفترات في حياتنا بـ ” المراهقة “؟ .. فالمراهقة أحد معانيها اللغوية هو ( الإرهاق وشدة التعب ) ، قال تعالى ( قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا ) الكهف – 73 ، ولكن تلك الفترة ليست فترة كد وتعب بالنسبة للمراهق ، فهو حتى الآن يعيش في كنف أسرته التي تتعهده بالرعاية الكاملة ، فأي تعب وأي إرهاق قد يواجه ذلك المراهق المدلل – في وجهة نظر الوالدين – ، فنحن نقد م له كل شيء وهو يتمرد علينا.
تتسم مرحلة المراهقة بالطول نسبيا ، فهي تمتد من 9-10 سنوات تقريبا ، ولذلك تكثر فيها المشاكل أو الآلام التي يتعرض لها المراهق ( فتى / أو فتاة ) ، وتلك الآلام تنتج عن عدم إدراك المراهق نفسه والوالدين لطبيعة المرحلة التي يمر بها ابنهم ، مما ينتج عن ذلك الخلط ألام يعانيها ذلك المسكين المراهق ..ومن تلك الآلام :
يشعر المراهق بضعف في ثقته بنفسه ، وقد ينتج ذلك عن .. ضعف إمكانيات المراهق وقدراته ، أو وقوف الأب أو الأم أمام تحقيقه لأحلامه وطموحاته ، أو وقوف المجتمع بتقاليده واتجاهاته أمام تحقيق هذه المتطلبات والطموحات .
اختلاف وجهات النظر بين جيل الآباء والأبناء ، فالأب يريد من ابنه أن يكون صورة منه ، ولو وضعنا في اعتباراتنا اختلاف القيم وأولوياتها والعادات التي تربى عليها أبائنا وما عليه مراهقي الآن ؛ وخصوصا في مجتمعاتنا التي تعيش نوعا ما صراعا بين ثقافات وعادات وتقاليد مجتمعاتنا العربية الشرقية وقيمنا الإسلامية السمحة، والقيم والتقاليع الوافدة إلينا من الغرب مما قد ينتج عنه مسخ مشوه متمثل في صورة مراهق مشوش الفكر.
تربية معظم الآباء اليوم هي تربية (( استسلامية )) ، فلا نجده يشرك المراهق في أي أمر من أمور حياته فالوالدين هما اللذان يخططان وعلى الابن المراهق مجرد التنفيذ ، فلا يوجد أخذ ولا عطاء ، ولا مناقشة ولا اختيار لأي أمر من أمور حياتهم ، وعندما يطالب المراهق بحقه في التفكير وتدبر بعض المسئوليات التي يسمح له بها سنه ، نجد الردود جاهزة ( مشاكس – متمرد ….. )
التغيرات الجسمية المفاجئة والهائلة التي تطرأ على المراهق ( فتى / أو فتاة ) ، فنجد المراهق يتحرج من تلك التغيرات ، فالفتى يخجل من القراءة بصوت عالي أمام الناس خجلا من تضخم صوته ، والفتاة تخجل من الحيض ( الدورة الشهرية ) وتحاول إخفائها عن كل من حولها حتى أفراد أسرتها. مما يجعل تلك التغيرات المفاجئة مصدرا للقلق والضيق الانفعالي ، وتمثل ضغطا إضافيا على نفسية المراهق ، تجعله يحتاج إلى من يأخذ بيده ليوضح له أن كل ذلك طبيعي ولابد لكل فرد أن يمر بها ، ولا يحتاج إلى كل تلك الانفعالات.
التغيرات الجنسية الضخمة التي يتعرض لها المراهق تدفعها إلى محاولة تفسير تلك التغيرات والإجابة على سؤال هو : لماذا تحدث تلك التغيرات ؟ وكيف أتعامل معها ؟ ويحاول الوصول إلى إجابة لتلك التساؤلات ، وبالطبع في ظل التكتم المجتمعي على تلك الأمور وكأنها عورة نريد سترها ، مع أن الإسلام قد تعامل مع تلك الأمور على أنها فطرة فطرها الله – عز وجل – في البشر ، وحلها بسيط أما الزواج أو الصيام ، ولم يجد الرسول حرجا في التكلم عن تلك الأمور ولكن وسط كل ذلك الكبت نجده يحصل على إجابات مشوهه أو مبتورة ممن حوله من الكبار ، أو إجابات منحرفة وغير صحيحة من أقرانها ومن المجلات والأفلام .
يمر المراهق في تلك الفترة بحالة من الخمول والكسل ، فبعد أن كان طفلا مليئا بالحيوية والنشاط لا يمل لو لعب اليوم بطوله ، نجده إذا صعد درج يلهث ، وتزداد إصابة المراهقين بأمراض الضعف العام كـ ( الأنيميا ، والسل .. )
أحلام اليقظة ، والقصور التي يبنيها المراهق على الرمال والتي سرعان ما تنهار مع أول موجة من موجات الواقع ، فالمراهق أحلامه كبيرة وطموحاته عظيمة ، ولكن ضعف قدراته وإمكاناته كما ذكرنا من قبل تقف عائقا أمام تحقيق تلك الطموحات ، فيجنح إلى أحلام اليقظة ، ولكن يمكننا الاستفادة من تلك الأحلام في توجيه المراهق إلى المستقبل الذي يطمح إليه ، فلو كان المراهق يحلم بأن يكون طبيبا لامعا يجري جراحات ويساعد الناس وشار إليه بالبنان ، ووجهناه لدراسة الطب بذلك نكون قد وضعناه على أول الطريق نحو تحقيق حلمه وهدفه ، أما إذا ظل المراهق يحلم ويحلم فقط ، ستكون أحلام اليقظة مجرد وسيلة للهروب من واقع مؤلم ، لذا فأحلام اليقظة سلاح ذو حدين علينا الانتباه لها جدا.
تعتبر فترة المراهقة فترة انفتاح مجتمعي بالنسبة للمراهق ، فبعد أن كانت كل اهتماماته منصبة نحو الأسرة وما حولها من أشخاص ؛ وهي – أي الأسرة – رقم واحد في حياته ، أصبح الآن للمراهق مجموعة الصحاب أو الرفاق ، الذي ينتمي إليهم أكثر من انتمائه لأسرته – مع بقاء ولاءه الدائم لأسرته – ، ولكنه يفضل الجلوس مع الرفاق أكثر من أفراد الأسرة ، ويستشيرهم في خصوصياته ، ويشاركهم المغامرات ..
وبالطبع كل ذلك في نظر الأب والأم تمرد ونفور ، وعصيان وبعد عن نطاق الأسرة وعاداتها وقيمها ، مما يشكل خطر كبير على الابن يجب حمايته منه ، فتتطور الأمور لتصبح تضييق وكبت لحرية المراهق ؛ مما يجعله يتمرد على تلك القوانين ” العرفية ” التي وضعها الوالدين ، فنجد حالات الهروب من البيت والمدارس . رغم أنه لو تفهم الوالدين طبيعة تلك المرحلة لوجدوا أن ما يفعله وليدهم هو نتاج طبيعي لمراحل تطوره الاجتماعي ، وبداية لانفتاحه على المجتمع الذي سيعيش ويتفاعل معه.
وحتى وقت الفراغ هو أيضا مشكلة وألام كبير في نفس المراهق ، فهذا الوقت الذي يتمناه كل منا وسط صخب الحياة التي نعيشها الآن ، يمر على المراهق كأنه غمة كبيرة يحتاج إلى يد تنشله مما هو فيه ، فالمراهق إذا لم يجد ما يشغله في ذلك الوقت تهتاج لديه النوازع الجنسية ، فكثيرا ما نسأل أحد المراهقين لماذا تنظر إلى تلك المجلات أو الأفلام ؟
فيقول : لا يوجد شيء مفيد أعمله ، وأيضا نجده مهموما في تلك الأوقات بمستقبله وما يريد فعله فيه ، لذا وجب على الآباء التنبه لتلك النقطة الهامة وهي شغل أوقات فراغ المراهق بما يتماشى مع مواهبه وما يختاره من أوجه النشاط المثمرة.
وفي أخر المطاف نجد لدى المراهق شعور عام بعدم الإحساس بالأمن ، وهذا نتاج طبيعي لكل تلك الآلام التي تعتصره خارجيا وداخليا ، فالهوة التي تنشأ في فترة المراهقة بين الآباء والأبناء لا تنتج نتيجة للممارسات الحاصلة في خلال تلك الفترة فقط ، وإنما هي نتاج طبيعي لنوع المعاملة التي كان يعامل بها الأب ابنه منذ صغره ، فالأب الدائم الزجر لأبنه دائما عندما تتاح الفرصة لأبنه أن يستقل عنه وينفصل سينفصل ولن يتمسك بتلك الرابطة بينها وبين أبيه لأنها مصدر تقييد لحريته التي ينشدها في تلك الفترة. والحل في أيدينا … فلنرحم ذلك المراهق الخائر القوى ونفتح معه قناة دائمة للحوار.