الجواب:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد:
فأحمد الله لك أخي السائل أن أكرمك الله بالهداية، وذقت حلاوتها، وانطلقت في ميدانها؛ فحافظت على الصلاة وقراءة القرآن وعمل الصالحات، ولكنك تشكو من تقلبك بين قوة الإيمان وضعفه، وسأشير عليك بالآتي :
– اعلم أن المسلم لا يمكن أن يبقى على حال واحدة في حال الإيمان، لأن من عقيدتنا أن الإيمان يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، كما أن كل بني آدم خطّاء، وخير الخطائين التوابون كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ولقد شكا الصحابي حنظلة رضي الله عنه تغير حال إيمانه حينما يبعد عن مجالسة النبي صلى الله عليه وسلم، وظن أن هذا نفاقًا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: “والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ” رواه مسلم.
ولعل من أهم أسباب الفتور في الإيمان هو عدم التوسط في عمل الصالحات، فإن تكليف النفس ما لا تطيق ينفرها من مواصلة الخير ، وقد عتب النبي صلى الله عليه وسلم على من حرم نفسه اللحم أو النساء أو النوم، وقال : ” من رغب عن سنتي فليس مني ” ، كما أنه قال : ( هلك المتنطعون ) ، وقال كذلك : ” خذو من الأعمال ما تطيقون؛ فإن الله لا يمل حتى تملوا” ، وقال لما رأى حبلاً ممدودًا لزينب رضي الله عنها إذا فترت تعلقت به في الصلاة : ” حُلّوه -أي فكوا رابطه- لِيُصَلِّ أحدكم نشاطه فإذا فتر فليقعد” .
كما أن تنظيم الوقت بين العبادة والعمل وطلب الرزق والقيام بالحقوق وطلب العلم وصلة الأرحام وبر الوالدين وتربية الأولاد والترفيه عن النفس بالحلال مطلب لاستمرار الصلاح والبقاء على قوة الإيمان ، فإن النفس تتعب وتكل من تواصل البذل بكل صوره، فإذا نظمت كل هذه الأمور ضمن خطة مدروسة، وشاورت فيها أهل الدراية ممن تحبهم ويحبونك فإنك ستخفف من أثر هذا التقلب ، بل سترى نفسك تشتاق إلى كل واحد من هذه الأمور قبل أن يحين وقته ، وإذا حل وقته قمت به بنشاط وحيوية، سواءفي العبادة أو الترفيه عن النفس .
أما سؤالك عن الترفيه بالحلال، فمجالاته واسعة ولله الحمد، ويمكنك هذا بالخروج إلى النزهة مع أصحاب صالحين أو أهلك وذريتك، أو بالاطلاع على القصص والطرائف الجميلة، أو بمشاهدة بعض البرامج الإعلامية البريئة من المحرمات، أو الجلوس إلى أصحابك لتبادل الأحاديث العامة والذكريات الجميلة، أو بالسفر إلى البلاد المتميزة بالحشمة وعدم انتشار المحرمات، أو مزاولة الألعاب الرياضية، أو مؤانسة الأهل والأولاد واللعب معهم ، أو كتابة الخواطر، وممارسة الهوايات الجميلة كالخط والرسم المباح، أو الاطلاع على المواقع الهادفة عبر هذه الشبكة والاستفادة منها ، وغير ذلك مما يصعب حصره وعليك تنسيقه .
كما أني أنصحك بالتنويع في عمل الخير ، وأنواع الترفيه، حتى لا تسأم نفسك من هذا أو ذاك . وأما التقلب الذي تعاني منه، فهذه حالة تدل على بذرة الإيمان في قلبك، ولكن اسأل الله الثبات على أمر الهداية ، فالقلب من شأنه التقلب، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ” إنما سمي القلب من تقلبه، إنما مثل القلب كمثل ريشة معلقة في أصل شجرة يقلبها الريح ظهرًا لبطن “.رواه أحمد وهو صحيح . والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : ” لقلب ابن آدم أسرع تقلبًا من القدر إذا استجمعت غليانًا “. رواه ابن أبي عاصم في السنة وإسناده صحيح .
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من ترديد هذا الدعاء : (اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك ) .
وعليك بصحبة الطيبين الذين يعينونك بعد الله على الهداية، ويردونك عن الضلال بإذن الله تعالى، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ” المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل”.
وأود أن تطلع على كتاب لي عنوانه : ( الفتور .. مظاهره ، وأسبابه ، وعلاجه ) وهو موجود على صفحتي الخاصة بي في موقع صيد الفوائد .
أسأل الله تعالى لك مزيدًا من الخير، وبعدًا عن الشر، والله يحفظك ويرعاك، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.