السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا عندي مشكلة، وهي أني كثير الشرود والتفكير، مع أن تفكيري إيجابي دائمًا، مثلاً والدي يقول لي: إني – إن شاء الله – سأشتري سيارة جديدة نوع كذا، أبدأ أفكر في السيارة، أحلم أنِّي أسوقها وأصطحب عائلتي وأصحابي، وذهبت لمكان كذا…إلخ، أما عن التركيز، فلما تكون عندي محاضرة في الجامعة، في البداية أكون مركزًا تمامًا، ثم بعد مدة أفقد التركيز، وأبدأ أفكر حتى أجد نفسي أنِّي ابتعدت عن الدرس، لديَّ مشكلة أخرى، وهي أني عندما أكون في الامتحان لا أستطيع التركيز، أنا مثلاً أكتب إجابةَ هذا السؤال، وفي الوقت نفسه أفكر في شيء آخر خارج الدراسة، مثلاً في مستقبلي، والله أنا حائر مع أنني أحاول دائمًا ألاَّ أترك الشرود الذهني يتغلب عليَّ، إلا أنه في النهاية يغلبني، وشكرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي الكريم، السلام عليكم ورحمة الله – تعالى – وبركاته.
أسعدنا انضمامك إلى شبكة الألوكة، ونشكر لك ذلك، داعين المولى القدير أن يسددنا في تقديم ما ينفعك وينفع جميع المستشيرين.
وأودُّ أن أحيي ما لمسته فيك من رؤية طَمُوح، ودافعية نحو المستقبل، يعكسها مضمون رسالتك، وكذلك تفكيرك المتفائل، الذي وصفته بالإيجابي، إضافةً إلى رغبتك وإصرارك على تحدِّي الشرود الذهني، وهي جميعًا سمات إيجابية أرجو منك تعزيزها والحفاظ عليها، وتوجيهها باتزان وحكمة.
أخي الكريم، إن انخفاض معدل التركيز على أمر معين مع استمرار وقته – يُعَدُّ أمرًا طبيعيًّا؛ فالتركيز في بداية المحاضرة لا شكَّ أنه يكون في مستوى أعلى منه عند نهايتها، وكذلك تنخفض القدرة على التركيز في أثناء اليوم الواحد، فتكون في أشدها في ساعاته الأولى، ثم تنخفض تدريجيًّا؛ ولذلك ترى أن كثيرًا من المؤسسات التعليمية تقدم المقررات العلمية التي تحتاج إلى تفكير وتركيز أكثر في المدة الصباحية الأولى من اليوم الدراسي، على غيرها من المواد التي قد لا تحتاج إلا لقدرة على الاستذكار، أو غيره؛ لكن ضعف التركيز، والاتسام بالشرود بشكل يزيد عن الحد الطبيعي يعود لأسباب عديدة، منها ما يكون بسبب أعراض جسمانية، ومنها ما يكون لأسباب وعوامل نفسية تشغل الفكر فتصرفه عنه.
ومن سياق رسالتك يتضح أن العامل الثاني هو المتسبب في شرودك وضعف التركيز لديك؛ فالتركيزُ في هذه الحالة يرتبطُ باهتمام الشخص بالموضوع اهتمامًا حقيقيًّا يجعله في مقدمة الأمور التي تحيط به، أو تلك التي يسعى إليها لاحقًا في ترتيبه بذلك الاهتمام، وأرى أن دافعيتك نحو المستقبل، وحماسك الشديد إليه، يستحوذ على فكرك ويشغله، حتى أصبح قفز تفكيرك إلى المرحلة اللاحقة دون الحاضرة، عادة فكرية تلهيك عن التركيز على الحاضر.
لذلك؛ فإن من أهم الخطوات التي عليك اتباعها للحد من حالة الشرود والتفكير بالقادم: اعتمادَك قناعة تعززها في نفسك من خلال إعادة التفكير بها مرارًا، بأن المستقبل الزاهر لا يمكن تحقيقه دون جهود ومثابرة حقيقية في الحاضر، وإن هذه الجهود هي (الأدوات) التي تُحقق هذا الهدف؛ ولذلك فإن الاهتمامَ بهذه الأدوات والتركيز على استثمارها هو جزء لا يتجزأ من المستقبل الذي تطمح في تحقيقه.
واعلم يا أخي أن تكرار هذه الأفكار في مخيلتك (استثمار الأدوات)، واعتمادك إياها عن قناعة شخصية – ستقود إلى ارتفاع مستوى اهتمامك بكل الضرورات التي تجد أنك تواجهها بالشرود وقلة التركيز عليها، ومن بينها الامتحان، فكل عادة يمكن تغييرها بالاقتناع أولاً، ثم بالتدريب على تركها واستعاضتها بأخرى مرغوبة.
وأود أن أشير إلى أن دعوتي للاهتمام بالحاضر والتركيز عليه وعلى أدواته، لا يعني أبدًا ترك الحلم بالمستقبل والتأمل فيه، بل على العكس، فإن تلك الأحلام والمخيلات هي أحد أسباب الدافعية والطموح للإنسان، لكن ما قصدته هو استخدام تلك الأحلام محفزًا لاستكشاف ما نَملكه في الحاضر، ويساعدنا على جعل تلك الأحلام واقعًا في المستقبل؛ ولذلك أسميتها بـ (الأدوات)، التي تمثل في حالتك الاهتمام بالدراسة والتركيز عليها.
وأخيرًا:
أختم بالدعاء إلى الله – تعالى – أن يصلح شأنك كله، وينفع بك، وبانتظار أن نسمع منك طيب الأخبار.