الأربعاء 11 ديسمبر 2024 / 10-جمادى الآخرة-1446

الإنترنت يشاركنا تربية أبنائنا..!



الإنترنت يشاركنا تربية أبنائنا!
https://encrypted-tbn2.google.com/images?q=tbn:ANd9GcRWwCgpaS8EfMav4iKoELQrxE3Z7HrtlljB0fSQIxssQ8yxL8OL
محمد إمام .
يشغل استخدام الأطفال للكمبيوتر والإنترنت الجميع بلا استثناء؛ الآباء, والأمهات, والحكومات, وعلماء النفس، وقد بيَّن الأطباء أن تعامل الأطفال لفترات طويلة مع الكمبيوتر في سن مبكرة يؤثر على تركيزهم, ويدمر خلايا المخ،
المشكلة الأكبر, والتي تهدد أمان واستقرار الطفل, وقد تؤدي إلى تشوّه فكرِه, هي اطّلاعه على المواقع المحظورة, والصور غير الأخلاقية, بالإضافة لأخطار أخرى يمكن أن يتعرض لها نتيجة تعرُّفه على أشخاص خطرين, أو إخباره بمعلومات شخصية عنه قد تضرُّه, أو تضرّ والديه,
إلا أن خوف الوالدين من كل ما سبق قد يشغلهم عن التنبه إلى أن ابنهم قد يصبح “مدمنًا للكمبيوتر والإنترنت”.
هناك اتجاهًا آخر يرى أن الكمبيوتر وشبكة الإنترنت أصبحا ضرورةً ملحَّة بالنسبة للأطفال, وواقعًا يفرض نفسَه, فهما طريق الطفل ليصل لمرحلة الإبداع في سن صغيرة, ويجب على الآباء والأمهات والحكومات أن يتعاملوا مع هذه الوسيلة بفكرٍ جديد, وآليات جديدة، إذن فهذه الوسيلة أصبحت إمّا طريقًا للإبداع.. أو للفساد, مصدرًا للخير والشر، على حدٍّ سواء.
كثرتُه ضررٌ.. ويمكن توجيهه للإبداع
وتشتكي السيدة نهى (أم لطفل عمره 6 سنوات) من أن طفلها يحبّ دائمًا الجلوس واللعب على الكمبيوتر, وأنه يُعتبر أكبر ملهٍ بالنسبة له, وتقول: “أحاول أن أحدد له الوقت, إلا أن هذا لا يعجبه, فيتعصب عليّ, ويبدأ بالبكاء”, وأضافت أنها “تخاف عليه من إشعاعات الشاشة, وآلام الجلوس المتواصل”.
وترى السيدة مها (أم لطفل عمره 7 سنوات) أن “استخدام الأطفال للكمبيوتر والإنترنت قد يعرضه للاطّلاع على صور ومعلومات لا يصحّ أن يطلع عليها, سواء بقصد منه أو بدون”, وأضافت أن “معالجة مثل هذه الأمور بعد ذلك يصبح صعبًا جدًّا”.
إلا أن المهندس محمد (أب لطفل عمره 5 سنوات) يرى أنه “واجب على الأبوين اللَّذيْن رزقهما الله بطفل يحب الجلوس إلى الكمبيوتر والدخول إلى الإنترنت أن يتعاملوا مع الجزء الإيجابي في الموضوع, بتنمية قدرات طفلهم في الكمبيوتر, فقد قرأ أن هناك طفلًا اسمه محمود وائل (11 عامًا) اكتشف والده أن معدل ذكائه يصل به للعبقرية قدرًا, فنمّى قدراته, وهو يسعى الآن لأن يصبح مدرسًا للكمبيوتر في الجامعة الأمريكية”.
وفي مركز بيع وصيانة أجهزة الكمبيوتر في القاهرة، التقينا بهشام حسن (فني صيانة الكمبيوتر) الذي قال: “دائمًا ما يُحضر أولياء الأمور أجهزة أطفالهم، ويتركونها دون معرفة ما بها, بل أحيانًا يحضر الجهاز أخو الطفل الأكبر, وهو طفلٌ أيضًا,
وهذا دليلٌ على عدم اهتمام الأب, بل عدم إدراكه فوائد الكمبيوتر أو مخاطرَه, أو فيم يُستخدم”, وذكر الفني أن “الأب أحيانًا ما يكون غير قادر على التعامل مع الكمبيوتر في الأساس, فكيف يتأكد من سلوك ابنه عليه؟!” لذا ففي ظل غياب رقابة الأهل فإنه يجد أحيانًا كثيرة آثارًا لمواقع محظورة دخل عليها الطفل سابقًا.
يؤثر على التركيز
وأشارت سوزان جرينفيلد (مديرة المعهد الملكي ببريطانيا) إلى “أن عقل الطفل الذي يقضي كثيرًا من الوقت أمام الكمبيوتر وفي غرف الدردشة, نجد أن الجزء الأمامي من الدماغ لديهم قد دمّر ولا ينمو وغير نشطٍ أيضًا”.
وأضافت أن “أولئك الأطفال يخلطون بين الواقع والعالم الافتراضي على شاشات الكمبيوتر، وفي تلك الحالة يزداد خطر الإصابة بفقدان القدرة على التفكير من الناحية العصبية, كذلك ففي الحياة الطبيعية لا يمكن للطفل إعادة الموقف أكثر من مرة،
لكن يمكنه عمل ذلك في ألعاب الكمبيوتر، حيث يمكنه البدء ثانيًا عند كل مرة ينتهي فيها، مؤكدة أن ذلك يعدّ مشابهًا للمقامرة أو لتعاطي المخدرات في مصطلحات الكيمياء العصبية، حيث إن في كلتا الحالتين يكون هناك نفس الحالة من عدم النَّدم على النتائج والخلط بين الحقيقة وحياة الشاشة”.
الطفل المبدع
للكمبيوتر والإنترنت العديدُ من الميزات التي تفيد الطفل, فهو بوابته للإبداع, ومصدر للمعلومات والمعرفة يساعده على تنمية مواهبه, ومتابعة المواهب المماثلة عبر المنتديات, أو المواقع المخصَّصة لذلك, كما أنه أداة تعليمية متميزة؛ حيث يمكنه مشاهدة وتعلم المعارف المفيدة, وهو مصدر للتسلية من خلال الألعاب على الإنترنت والشبكات الاجتماعية, ومصدر لتبادل البيانات مع غيره من الأطفال، مثل الفيديو والموسيقى والصور.
كذلك فهو وسيلة اتصال للأطفال المعوَّقين، حيث يمكن أن يتحصل الأطفال الصم على معلومات من الإنترنت، ويمكن أن يلتقوا مع أصدقائهم ويتحدثوا بلغة الإشارة عبر كاميرا الويب, أو الأطفال المصابين بالعمى, حيث توفّر بعض المواقع وسيلة صوتية للتواصل معهم, وهو أيضًا مصدر للحصول على المعلومات عن العطلات، أو الأماكن المناسبة للتنزُّه خارج المنزل.
طفل و”مدمن إنترنت”
بالرغم من المزايا العديدة لاستخدام الطفل للإنترنت والكمبيوتر، إلا أنه محفوفٌ بالخطر، فمن الممكن أن يسهل الاستغلال الجنسي له، عن طريق علاقات أو مراسلاتٍ سرية, أو أن يحمّل وهو دون السن القانونية، موادًا غير ملائمة، أو مزعجة، أو ممنوعة, أو مشاهد عنيفة، خاصة أنّ هناك مواقع تمجِّد استخدام المخدرات والكحول والعنف وغيره…,
أو أن يخوفه أطفالٌ آخرون على نحوٍ مؤلمٍ ومزعِج, كذلك من الممكن أن يرى الطفل صور اعتداءٍ على أطفال وصور إباحية يمكن أن تكون خطرًا عليه.
ويمكن أن يهتمَّ الطفل في بعض الأحيان بالكمبيوتر على حساب جوانب أخرى من حياته فيصل إلى إدمانه. فيؤثر على نومِه, ويصيبه بالأرَق, فلا يتناول طعامه بشكلٍ منتظم، ويتجاهل الدراسة، وينخفض أداؤه فيها، وتتأثر علاقاته الأسرية.
“أطفال الإنترنت” والتعليم
ويرى مؤلف كتاب ” أطفال الإنترنت”, أحمد محمد صالح أن “الطفل العربي يواجه تحدياتٍ حقيقيةً تؤثِّر على نمط حياته ومستقبله, والحديث عن أطفال الكمبيوتر والإنترنت هو من قبيل التخطيط للمستقبل القريب.. هذا المستقبل أصبح واقعًا في أجزاء كبيرة من العالم”.
ويرى المؤلف أنه “يمكن القول أن الكمبيوتر والإنترنت لهم تأثيراتٌ بعيدة المدى على التربية وطرق التفكير وأنماط التعلُّم, والتعلم عن طريقهم نوع جديد من التعلم, لتميزهم بمزايا تعليمية كثيرة, كحفظ البيانات, واستدعائها ومعالجتها في تبسيط موضوع الدرس وتشويقه, حيث التفاعل والاحتكاك مع الصورة والصوت والكلمة والأشكال البيانية, ويعطي الطفل فرصةً لحلّ المشكلات وتصحيح الأخطاء, ويزيد القدرة على عمق التفكير وتنمية قدرات الابتكار”.
وأضاف أن “الكمبيوتر يسمح للأطفال بالاتصال بالآخرين حول العالم الواسع، وبالتالي فهو يسمح للأطفال بأن يدخلوا مجمعًا واسعًا من الخبرات التي لم تكن متاحةً من قبلُ, وفي هذه الحالة فإن على الآباء والأمهات إعادة النظر في مفاهيمهم للطفولة, وكذلك في طرق ومناهج التعلم التي تقدّم للأطفال, وهم السادة الجُدُد في عصر المعلومات”.
“اتفاقية استخدام” بين الطفل ووالده
وقد ذكر دليل الأمان على موقع مايكروسوفت أن “الجزء الأكثر نموًّا من مستخدمي الإنترنت هم أطفال لم يذهبوا للمدرسة بعد، وأن بداية استخدامِهم للإنترنت بعمر الست سنوات، لذلك من المرجَّح أن يرغبوا في الاتصال بالإنترنت في المنزل خلال هذا العمر أيضًا، وعادةً لا يتمتع الطفل بالمهارات الفكرية الكافية للاتصال بالإنترنت بمفردِه، لذا يجب على الوالدَيْن التدخل بشكل كامل عندما يستخدم الإنترنت طفل يقلّ عمرُه عن 10 سنوات. والجلوس معه كلما كان متصلًا بالإنترنت”.
ونصح الدليل بكتابة “اتفاقية استخدام بين الأب وطفلِه”, تحدّد الخطوط العريضة للحقوق والواجبات المتعلقة باستخدام الكمبيوتر, كالمواقع التي يستطيع الطفل زيارتَها عبر الإنترنت وما الذي يمكنُه عمله هناك, والوقت, وما الذي يجب عملُه عند وجود أي شيء يُشعِره بعدم الارتياح, وكيفية حماية المعلومات الشخصية, وكيفية التيقُّظ في المنتديات ومواقع المشاركة, والتصرُّف بشكلٍ مسئول أثناء الاتصال بالإنترنت, وأوصى بسماع آراء الطفل وطبع الاتفاقية وإبقائها بجانب الكمبيوتر لتذكير الجميع بالقواعد الواردة فيها, ومراجعتها وتحديثها بشكلٍ منتظم مع تقدم سن الأطفال.
ماذا يمكن أن يفعل الآباء؟
وترى الدكتورة إيمان حسين شريف (أخصائية الصحة العامة) وجوب تأكُّد الوالدان من أن طفلهما يعبُر طريق الإنترنت الطويل والمتعرّج بأقلّ ضررٍ ممكن، فيتمتع بما يحمله الطريق من جمال، وتضمن أعينهم عبوره بسلام، لذلك يجب ألا يتم منع الأطفال من استخدام الإنترنت، خاصة أنه غني جدًّا بالفوائد، ولكن يجب أن يكون الآباء واعين وحذِرين فيما يقوم به أطفالهم على الإنترنت.
وقدّمت د. إيمان اقتراحات لجعل الطفل في مأمنٍ من مخاطر الإنترنت, بأن يتعلَّم الآباء الإنترنت، من أجل سلامة الطفل، وحتى يتمكنوا من توجيهه إلى الطريق الآمن, ومعرفة مواعيد استخدام الطفل للإنترنت، وتحديد أوقات معينة لاستخدامِه، كي يتمكن من الإشراف عليه, وإبقاء الكمبيوتر بعيدًا عن غرفة نوم الطفل، بحيث يستطيع الوالدان دائمًا أن يكونوا بجانبه إذا كانت هناك أي مشكلة, وعدم السماح للطفل بإعطاء المعلومات الشخصية، بما فيها الاسم والعنوان والمدرسة، ورقم الهاتف أو الصور الفوتوغرافية، وخصوصًا في غرف الدردشة.
وأضافت أنه يجب على الأب أن يستخدم التكنولوجيا لمساعدتِه على حماية طفله, فهي تعطيه القدرة على استعراض استخدام طفله للإنترنت، وأن يتحدثوا بصورة منتظمة مع الطفل عما يقوم به ومع مَن يتحدث عبر الإنترنت, وتعليمه عدم فتح رسائل البريد الإلكتروني والملحقات إلا إن كانت من أشخاص ثقة، لأنها قد تحتوي على فيروسات أو مواد غير ملائمة, وتشجيعه على إخبار والديه إن شعر بشيء مقلِق على الإنترنت أو في المحادثات, وعدم منعِه من استخدام الإنترنت،
فكما يقال: “الممنوع مرغوب”، والسماح له باستخدامِه ضمن قواعد معينة, وأخيرًا تشجيع الطفل على اكتساب طرق أخرى للتسلية والأنشطة، مثل القراءة وممارسة الرياضة، حتى لا يقضي كل الوقت في غرف الدردشة وأمام الكمبيوتر يتصفح الإنترنت.
_______________________
المصدر : الاسلام اليوم .
تصميم وتطوير شركة  فن المسلم