التدريبات التي نحتاج إليها !
أ. منى ثابت.
إن الدين ليس مجرد معلومات أو معرفة بالأحكام الدينية ، فماذا يستفيد الإنسان لو كان يعرف كل القيم والمبادىء لكنه لا يسلك طريقا لتطبيقها؟
إننا نقرأ ونستمع ونهتم بأن نحشو أذهاننا بالمعلومات فهل تغيرت أحوالنا بمجرد ذلك؟ أم ينبغي أن تتحول المعلومات إلى عمل؟ إن كثيرين من أصحاب المعرفة والثقافة الدينية لهم نقاط ضعف ثابتة، تكاد تصل إلى مستوى العادة والطبع، وتستمر معهم على مدى سنوات.. ويأتي السؤال دائماً.. لماذا؟
الشيخ أحمد مصطفى فضلية من علماء الأزهر الشريف يجيب على ذلك فيقول: السبب يرجع إلى أنهم لم يدربوا أنفسهم على التخلية وما الإيمان إلا “تحلية وتخلية”.
بتربية النفس وترويضها ومجاهدتها يدخل الإنسان في مواجهة عملية مع أهوائه وشهواته ووساوس شيطانه فيترك خطاياه ويتغلب على نقاط ضعفه وينمو روحياً ويكون عبداً مخلصاً لله رب العالمين.
في عملية التدريب على مجاهدة النفس يعرف الإنسان حقيقة نفسه ومن أين تأتيها المعصية ومن ثم يدخل في مرحلة المقاومة والانتصار عليها.
وينصح الشيخ أحمد فضلية القارىء أن يكتشف العيوب أولاً لأنه بدون اكتشاف العيوب لا يمكنه التدرب على التخلي عنها.
والمطلوب حينئذ أن يقيس الإنسان نفسه ويفحص ذاته على معيار وميزان محدد هو أوامر الله ونواهيه.
وليحذر من التبريرات والتماس الأعذار في الأخطاء والمعاصي فالذي يسلك طريق التبرير يبقى دائماً على حالته بعيداً عن إصلاح نفسه لأن ذاته جميلة في عينيه بلا عيب!!
أما الذي يحاسب نفسه بدقة ولا يعذر نفسه مطلقاً مهما كانت الظروف فهذا هو الشخص الذي يمكنه أن يعرف عيوبه جيداً ومن ثم يدرب نفسه على تركها.
إن كنت تستحي من أن يراك الناس على فعل ما فلا شك أنه خطأ فاجلس إذن إلى نفسك وكن صريحاً معها إلى أبعد الحدود، وحاول أن تطرق نقاط الضعف التي تؤدي إلى ارتكاب هذا الفعل حتى تتغلب عليها.
قد تدرك ما في نفسك من نقص إذا تأملت باستمرار في “المعيار والميزان” وهو متوافر في القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة وسير الصحابة والتابعين.
حينئذ تجني ثمار القراءة والنظر في هذا “المعيار” الذي تقيس عليه مدى تقدمك وتأخرك.
لو أنك دربت نفسك كل أسبوع أو حتى كل شهر على التخلي عن نقطة ضعف واحدة (معصية)، لأمكنك في عام واحد أن تتخلص من 12 معصية، وثق بأن المعاصي يرتبط بعضها ببعض، بحيث يعد تخلصك من معصية معينة تخلصاً من معاص أخرى ترتبط بها.
كما أن تدربك على التحلي بفضيلة معينة يؤدي بك إلى فضائل أخرى ما كنت تنوي وضعها في حيز التدريب. ذلك أن الفضائل أيضاً تجر بعضها بعضا.
واعلم أن الشيطان سيحاربك لتكسر التدريب فكن على بينة من أمرك ولا تتراجع ولا تفتر ولا تكسل عن التدريبات بل كن مراغماً للشيطان حازماً مع نفسك.
وإن دربت نفسك على فضيلة فاعلم أن ذلك ليس آخر المشوار بل الثبات على الفضيلة هو التحدي الذي يواجهك لأنه ما أيسر أن يسير الإنسان في فضيلة ما يوماً أو يومين أو ثلاثة أو أسبوعاً لكن المطلوب هو الاستمرار حتى تصبح هذه الفضيلة عادة وطبعاً يصعب التخلي عنها.
فالاستمرارية هي المحك العملي لمعرفة عمق الفضيلة فيك. وليكن تدريبك محدداً وواضحاً ولا تقفز من تدريب إلى آخر حتى تستوفي التدريب الأول فلن تصل إلى كل شيء مرة واحدة.
قل مثلاً: أريد أن أدرب نفسي على الاستيقاظ يومياً لصلاة الفجر في المسجد، فإن أتقنت هذا وترسخت فيك هذه الفضيلة فقل: أدرب نفسي على ترك الجدال والثرثرة في الكلام
أما أن تدخل في التدريب على تأدية الصلوات كلها في المسجد أو مقاومة كل أخطاء اللسان، فسيصعب عليك ذلك مرة واحدة فعد إلى التدريب المحدد الذي يمكنك تنفيذه عملياً وتدرج في التحلية والتخلية خطوة خطوة والله معك.