الترفيه ضرورة .. أيها الناجحون.
د.خالد بن سعود الحليبي.
“روحوا القلوب ساعة بعد ساعة؛ فإن القلوب إذا كلت عميت” هكذا ورد في الأثر، وهو ما تتعامل به الحياة من حولنا. فالجدية التي تكتنف الجدول اليومي لعدد من الناجحين قد تكون بداية النهاية لنشاطاتهم باختيارهم أو بالملل الذي لا يمكن أن تدفع ضراوته وقسوته. والنجاحات المتواصلة؛ التي يجنونها قد تكون هي معول هدم حياتهم.
أنا لا أريد أن أخيف الناجحين، أو أن أوقف تدفق عطائهم، ولا أستطيع ذلك، والأرض جميعا في أمس الحاجة إليهم.
ولكني أخاف أن يتوقف هذا الجهد الممتد الرائع، بجناح بعوضة رقيق، لو أمسكت به لتكسر من هشاشته، ولكنه يمتلك قوة السد أمام السيل !!
الترفيه ليس كماليا وإن خلناه كذلك، بل هو ضرورة من ضرورات الحياة، به يحتفظ الجسد بقوته، والعقل بعبقريته، والنفس بحيويتها، والروح بنشاطها.
هو ليس خاصا بسن معينة، بل هو ضروري للطفل والشيخ ، والشاب والكهل، والرجل والمرأة.
وتكمن ضرورة الترفيه وأهميته ـ كما يقول النفسيون ـ فى تحقيق التوازن الانفعالى للشخص، وتنمية وتنشيط علاقاته الاجتماعية، ومن ثم تخفيف الضغوط الواقعة عليه، أو على الأقل امتلاك القدرة على إدارة هذه الضغوط بتوازن، بحيث لا يطغى هم على آخر.
والإنسان اليوم لم تعد الأسرة وحدها محور همه وإنتاجيته، بل هو متنازع بين محاور عدة، منها العمل الرسمي، والنشاط التجاري الحر، أو أي نشاط اجتماعي آخر، أو علاقات صداقة وصلت إلى حد الالتزام المرضي بها، والذي يكون على حساب الأسرة وواجباتها الكبيرة.
نعم العمل الدؤوب إذا كان مثمرا فهو فضيلة، ولكنه قد يتحول إلى مرض حقيقي.
لقد فقد المرح في كثير من منازلنا، بل ومن حياة بعضنا، وإذا حدث فهو هامد بارد لا يصل إلى تحريك أعماقنا.
واشتكت كثير من مصحاتنا النفسية من كثرة مرضى الاكتئاب، وكثير من الزوجات من داء الصمت الذكوري، وكثير من المؤسسات من داء التبلد الوظيفي، وضجر الروتين المدمر للبنية التحتية للفرد.
لقد تزاحمت متطلبات الحياة من حولنا ونحن الذين ضعنا بين زحمتها، بعضها يستحق منا التعب والسعي لتأمين المال من أجله، ولكن أكثره نستطيع الاستغناء عنه تماما، ونظن أن تحقيقه سعادة نبحث عنها، فإذا بنا نشقى في البحث عن المال ساعات لنستمتع به لساعة واحدة .. حقيقة .. ولكننا نتعامى كثيرا عن الاقتناع بها.
لقد ظن بعض الآباء والأمهات أن مهمتهم أن يعيشوا من أجل أولادهم، وأن هذا الهدف جدير بأن يكونوا شهداء من أجله، أي أن يضحوا بسعادتهم الآنية لتأمين سعادة مستقبلية للأولاد، فإذا هم يقعون في إخفاق كبير ، ملخصه أنهم سيفقدون السعادة التي يستحقونها هم أولا ، وليس أولادهم فقط.
وتصور أن كل أبوين فعلا ذلك، ففقدوا هناءة العيش، وأمنوا مستقبل أولادهم، فلما جاء دور الأولاد ساروا على النظرية ذاتها، فعاشوا من أجل سعادة أولادهم متناسين حقهم في إسعاد أنفسهم، فإن أحدا لن يسعد، وستعيش الأجيال في نكد دائم.
إن الله تعالى لم يخلقنا لنشقى .. بل لنسعد .. { طه .. ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى}.
وهذه وصايا نفسية استفدتها، يمكن الاستفادة منها في الخروج من مأزق الحياة الجادة اليومية. تبدأ من وضع فاصل بين هموم العمل، وهموم البيت، وهذا يتحقق بالتدريب على ترك هموم العمل على باب العمل حتى لا تتداخل الهموم، وتزداد الضغوط والأعباء فيعجز المرء عن إنجازها بكفاءة.
كما يحسن عدم التفكير فى أكثر من موضوع فى وقت واحد، من أجل تنظيم التفكير مما يقلل الإحساس بالضغوط والاكتئاب.
ومنها تنويع الاهتمامات وتوسيع دائرة العلاقات الاجتماعية إذ من شأنه أن يخفف أثر أى ضغط يقع نتيجة الدوران فى فلك موضوع أو عمل واحد.
وممارسة الرياضة الجماعية ولو بالمشى أو تخصيص نصف ساعة يوميًا للاسترخاء العضلى والفكرى، الذى يجدد النشاط، ويشعر المرء بالراحة والقدرة على العطاء والإنجاز بكفاءة.
والأهم مما سبق تعميق الإيمان والصلة بالله تعالى، واستحضار آيات التوكل، والرضا بقضاء الله تعالى {ألا بذكر الله تطمئن القلوب} ، {ومن يتق الله يجعل له مخرجا}، {إن مع العسر يسرا}، {لئن شكرتم لأزيدنكم}، {قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا}، فهذا يولد الرضا والثقة فى قضاء الله، ويدفع المرء للعمل براحة نفسية مستشعرًا العون والمدد من الله تعالى.
تأمل ولو للحظة :
قد لا يستطيع من هم تحت دائرة إدارتك في البيت أو العمل أن يصارحوك بأنهم ضجروا ، وأن الأمر وصل إلى حد لا يستطيعون أن يصبروا عليه .. فأنت أمام مصيرين إما أن تبادر لترفيههم، فتتجدد طاقاتهم، وإما أن تفقدهم !!!!