الأثنين 09 ديسمبر 2024 / 08-جمادى الآخرة-1446

الحجاب بين الشرق والغرب.



الحجاب بين الشرق والغرب.
http://www.lahaonline.com/media/images/articles//lahaopinio/hegaaaaaabzcxvcczx.jpg
د. نهى عدنان قاطرجي .

إن المتتبع للأخبار اليومية التي تنشر في وسائل الإعلام، يلحظ بأن موضوع الحجاب والنقاب من المواضيع التي تثار بشكل دائم، ليس فقط على الصعيد المحلي والإسلامي، بل أيضا على صعيد العالمي أيضا .

فالحوادث التي وقعت مع تلميذات من مصر ولبنان مع أساتذتهم داخل مدارسهم وجامعاتهم عديدة، وقد تسببت إحداها في إصدار قانون يمنع النقاب في جامعات مصر.

وكذلك قصص تعرض النساء المسلمات إلى المهانة من قبل رجال الشرطة والأمن حدثت في أكثر من بلد، وآخرها الإذلال الذي تعرضت له امرأة محجبة عربية في مطار ألمانيا بسبب نقابها ورفضها خلعه، مما دفع بالمرأة الشرطية التي كانت تخضعها للتفتيش في غرفة منعزلة، إلى توجيه كلام لاذع لها وإلى لعنها ولعن المسلمين قائلة لها : ” أين تظنين نفسك هذه ألمانيا أيتها الغبية الحمقاء ستنزعين حجابك رغما عنك، أيها الرعاع، مجنونة، قبيحة” ثم صفعتها .

وإذا كانت هذه الحادثة العنصرية قد انتهت بالصفع، فإن هذه العنصرية نفسها هي التي أودت بحياة شهيدة الحجاب “مروة الشربيني” على يد متطرف ألماني في قاعة المحكمة بسبب رفعها قضية ضده بعد أن وصفها بالإرهابية وحاول خلع حجاب رأسها .

إن هذه الحوادث المتكررة التي بدأت النساء المسلمات يعتدن عليها ويتقبلنها كبلاء من الله عز وجل يستوجب منهن الصبر والدعاء، زادت من تمسكهن بحجابهن، ولو أدى ذلك إلى التزامهن بيوتهن وعدم الخروج منها، إما خوفا من الاعتداءات التي يمكن أن يتعرضن لها ، وإما بسبب القوانين المجحفة التي فرضت عليهن الضريبة نتيجة ارتدائهن لحجابهن و نقابهن .

إن مما دفعني للحديث عن موضوع الحجاب والنقاب مجددا ، خبران تزامن ورودهما في وسائل الإعلام، الأول مصدره فرنسا والثاني مصدره مصر ، وسبب توقفي عندهما هو غرابتهما بعض الشيء ، فالخبر الأول ذكره الدكتور “فهمي الهويدي” في مقال له تعليقاً على موقف الغرب من المسلمين، والتناقض بين المبادئ الذي يدعو إلى اعتناقها ويدّعي حمايتها وبين ممارساته العنصرية ضد أبناء المسلمين .

وقد تجلى هذا التناقض في منع النساء المسلمات في فرنسا من الخروج إلى الشارع بالنقاب، بعد أن أصدر البرلمان الفرنسي، قانوناً بفرض غرامة قدرها 150 يورو على كل مسلمة ترتدي النقاب في الشارع، وكأن في هذا الفعل جريمة شنعاء تستحق العقاب .

إن هذا القرار المستفز وغيره من القرارات العنصرية الصادرة عن هذا البلد دفع ببعض المسلمين إلى الهجرة، إما عائدين إلى بلادهم وإما لاجئين إلى بلدان أوروبية أخرى لم تبدأ بعد بصياغة مثل هذه القوانين المجحفة .

أما من لم يحالفه الحظ بالمغادرة فإن الحل الذي أورده الدكتور الهويدي جاء من قبل رجل أعمال فرنسي مسلم اسمه “رشيد نقاذ” الذي أعلن عن إنشاء صندوق رصد فيه مبلغ 130 مليون دولار (حصيلة بيع عقارات له)، لمساعدة المسلمات اللواتي يخرجن من بيوتهن بالنقاب على دفع الغرامات، التي تفرض عليهن جراء تمسكهن بموقفهن .

إن مثل هذه الحلول الفردية هي حلول مؤقتة مهما بلغت قيمة الأموال التي ترصد لها. خاصة أن مثل هذه التصرفات قد تعتبرها الدولة الفرنسية تحديا لها فترفع الغرامة المطلوبة .

ولكن فائدتها تكمن في التعبير عن الرأي بصلابة والتمسك بالحقوق الشخصية، ومن ثم لفت نظر الرأي العام الفرنسي حول إجحاف قوانين بلدهم التي تسمع للنساء الداعرات بالتجول على الطرقات ناقلات الأمراض والفساد، ولا تسمح للمرأة المسلمة الملتزمة بأن تمر بنقابها على أساس أنها تهدد الأمن القومي .

الخبر الثاني ذكرته إحدى القنوات الفضائية، ولكن هذه المرة من مصر، حيث أصدرت بعض مطاعم وفنادق وشواطئ المصرية قراراً بمنع المحجبات من الدخول إليها ، متسترين بالتصريح الصادر عن وزارة السياحة المصرية .

ومن الحجج التي يدعيها بعض أصحاب هذه الفنادق أن هذا المنع هو لحماية المحجبات، خاصة أنه بعد منتصف الليل تتحول معظم المطاعم إلى ديسكوهات وأماكن غناء ورقص ، وهذا لا يتناسب مع حجاب المرأة وحشمتها، لذلك جاء هذا المنع حماية لمشاعرهن وليس أكثر .

إن صدور هذا القرار أثار كالعادة موجة من التأييد والرفض، وكان من بين الرافضين العلماء الذين وجدوا فيه تمييزا على أساس الزي، يتنافى مع الدستور الذي يمنع التمييز بسبب الدين والعنصر ، كما أن منع المحجبات من دخول هذه الأماكن معناه منع أكثر من تسعين بالمئة من نساء مصر من دخول هذه الأماكن .

أما الفئة المؤيدة فتتمثل في أهل المال والصحافة والثقافة والسياحة، ولعل ابرز المؤيدات لهذا القرار هن نساء الحركات النسائية، اللواتي تبحثن عن “جنازة يشبعن فيها لطم” كما يقول المثل الشعبي المصري.

ومن بين هؤلاء الكاتبة الصحافية “إقبال بركة” صاحبة كتاب ” الحجاب ” والتي تفاخر فيه برأيها المناهض للحجاب، فقد أيدت في تصريح لها منع دخول المحجبات ليس فقط إلى الفنادق والمطاعم، بل إلى أي مكان مزدحم مثل “المولات” التجارية ، واعتبرت بأن هذا يدخل في مجال الحرية الشخصية لأصحاب هذه الأماكن .

وكان من بين ما قالته: ” إن المحجبة قد ترتاد هذا المكان السياحي لتحتسي كوباً من الشاي أو القهوة وتشغل المكان فترة طويلة، وهذا الأمر قد لا يروق لأصحاب تلك الأماكن التي ترحب بالمتبرجات أكثر، فأنا مع منعهن منعاً نهائياً، لأنني لا بد أن أكون على دراية كاملة بمن تجلس بجانبي”.

إن هذا القول يعكس وجهة نظر كثير من الناس الذين لا يؤمنون بفرضية الحجاب، ولا يخفون كرههن له ويربطونه بالتخلف والرجعية والجهل، وكذلك بالفقر بل وحتى بالنظافة، كما ورد على لسان إحدى مدرسات الأزهر السافرات حيث قالت بأن النساء قررن ” ارتداء الحجاب لإخفاء عيوب الشعر، أو لعدم اهتمامهن بنظافة رؤوسهن ” .

إن هذه المواقف التي تزيد حدة يوما بعد يوم ، تستدعي المبادرة إلى إيجاد حلول لها، ليس فقط من المسئولين وأهل العلم والدين، ولكن أيضا من المحجبات والمنقبات أنفسهن، من أجل دراسة الأسباب والعوامل التي أوصلت بالآخرين إلى التطاول والاعتداء عليهن .

فإذا كان الوضع في الدول الغربية خارج عن السيطرة، بسبب الاختلاف في البيئة والدين والقوانين. فإن الوضع في البلاد الإسلامية يختلف تماما، خاصة أن الحجاب والنقاب فيهم ليس أمرا نادرا، بل هو منتشر وبكثافة. مما يعني بأن اتخاذ القوانين المضادة ضدهما قد يطال القسم الأكبر من الشعب، إذا أخذنا بعين الاعتبار عائلات المحجبات .

من هنا فإن رفض هذه القوانين والاحتجاج ضدها أمر قد يكون فعالا، كما أن سياسة المقاطعة التي تستخدم ضد العدو يمكن أن تستخدم هنا ضد كل من سولت له نفسه الهجوم على الإسلام . ولعل المبادرة التي قام بها أحد الأمراء السعوديين عندما منع بيع الخمر في فنادقه، يمكن أن يحتذى بها ، ويؤسس للمسلمين الملتزمين فنادقهم ومطاعمهم الخاصة .

أخيرا، الأسئلة التي يمكن أن تطرح نفسها هنا عديدة، فهل ما تتعرض له النساء المسلمات في بلادهن أمر ناتج عن غربة الإسلام الذي تحدث عنها الرسول صلى الله عليه وسلم، أم أن هذا يعود إلى الضعف والهزيمة الذي يستشعره المسلم في مقابل العولمة وحروب الآخرين ضده ؟

ثم ما هو دور المحجبات أنفسهن في صدور مثل هذه القوانين المجحفة بحقهن، وهل يمكن أن يكون لارتيادهن هذه الأماكن المشبوهة دور في استصدار مثل هذه القوانين ؟ أسئلة كثيرة تنتظر الإجابة …

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم