الذكاء الإداري لدى الأطفال.
د. علي العبدالقادر .
ما أجمل أن يتأمل الآباء والمربون عالم الأطفال حيث البراءة والعفوية والسلوكيات الفطرية التي لم تحكمها عقلية الكبار، ولم تعقها أساليب متخلفة، التربية أو حيث تظهر المواهب ومؤشرات النبوغ إذا كان الطفل سليما خاليا من معوقات النمو إذ يستطيع الأبوان والمعلمون ومن يشتغل بتربية الأطفال اكتشاف مواهبهم وقدراتهم واستعداداتهم الفطرية منذ السنة الثالثة من عمر الطفل، حين تبدأ شخصية الطفل في الوضوح وكلما كبر سنا صارت أكثر وضوحا، بيد أن ذلك يحتاج إلى وعي تربوي وبيئة تربوية سديدة في الأسرة والمؤسسة التربوية، وكلما كان التعامل التربوي مع الطفل داخل الأسرة وخارجها يتيح للطفل حرية الحركة في بيئة تربوية غنية بمعطياتها توفر احتياجات الطفل من الرعاية التربوية والتجهيزات الملائمة وتتيح له المشاركة الاجتماعية مع الأطفال الآخرين ليشاركوا جميعا في ألعابهم التي تنمي شخصياتهم، وتصقل مواهبهم تحت إشراف تربوي غير مباشر مما يوفر للطفل حرية الحركة والتصرف مع أقرانه دون تدخل يعيق تصرفات الأطفال العفوية إلا في حالة تعرضهم للخطر، وحينئذ ينبغي الرفق في تنبيههم وتوضيح الخطر الذي من المحتمل وقوعه ثم إرشادهم بدون صراخ أو غلظة تغلق مداخل عقولهم عن تفهم ما قيل لهم، ودون تعنيف أو توبيخ حتى يتحقق الهدف المطلوب، من فهمهم للموقف وإدراكهم لنوع الخطر وكيفية التعامل معه وتجنب وقوعه.
ويرى علماء التربية أن اللعب الحر لساعة أو ساعتين فحسب يوميا في الهواء الطلق وفي المكان المناسب الآمن كفناء المنزل أو المدرسة أو حديقة مع توافر الوسائل الأمنية والتربوية المناسبة هو ضرورة تربوية لازمة للأطفال لممارسة ألعابهم الجماعية، حيث تنمو شخصياتهم وتتضح خصائصهم وتتبلور قدراتهم مما يمكن الأهل والمربين من تأملهم واكتشاف مواهبهم الكامنة.
ومنها (الذكاء الإداري) الذي يمكن ملاحظته وإدراكه من تصرفات الطفل أثناء ممارسته للألعاب الجماعية، حيث يتمتع الطفل بالحرية ويتصرف بعفوية دون تأثير من أحد، وحينئذ نجد الأطفال ثلاثة أصناف: الصنف الأول: هم الأطفال الذين يتمتعون بذكاء إداري، ويتميزون بنشاط وحيوية ويقودون أقرانهم ويوجهونهم بعد أن يخططوا نشاطهم وحركاتهم لتنفيذها، هؤلاء لديهم استعدادات قيادية واضحة، ويمكن أن تتضح هذه الاستعدادات في المدرسة التي توفر نشاطات مدرسية متنوعة حيث تتجلى في قدرتهم على قيادة المجموعات الطلابية، كما أن لديهم أفكارا ومقترحات جديرة بالاهتمام، وإذا تم تعزيز هذه المواهب من خلال إسناد بعض المهام إليهم في الأسرة والمدرسة، فإنها ستؤدي إلى تطور الصفات القيادية فيهم مما يؤهلهم لمناصب قيادية. ويأتي الصنف الثاني من الأطفال: وهم الذين يأتمرون بتوجيهات الصنف الأول، وهؤلاء لديهم ذكاء إداري يؤهلهم للأعمال التنفيذية، وإذا تم تنميته في الأسرة والمدرسة بشكل بناء سليم، فإن ذلك يؤهلهم لتولي الوظائف الإشرافية، كوظيفة المدير ورئيس القسم والمشرف، فهم يتحملون المسئولية الجزئية، أي يأتون في وسط الهرم الإداري غالبا وقد يبرز من بينهم من يتصف بالقدرة القيادية نتيجة خبراته وتأهيله.
أما الصنف الثالث من الأطفال: فهم الذين يغلب عليهم الميل إلى اتباع الصنفين الأولين والعمل حسب توجيهاتهم ولنتذكر أن الحديث هنا عن الأطفال من سن الأربع إلى العشر سنوات من العمر وأن عامل السن له دور مؤثر في تباين الاستعدادات، ولكن يمكن في حالة نادرة أن يبرز من هو أصغر سنا ويتفوق على من هو أكبر منه نتيجة عوامل تربوية واجتماعية وبيئية.
وفي دنيا الكبار على اختلاف أعمارهم وبصرف النظر عن مؤهلاتهم الدراسية، نجد بعضهم على قدر كبير من الحكمة وحسن التصرف ورجاحة العقل في توجيه الآخرين وقيادتهم وفي تدبير شئونهم. وباستقراء وتأمل سير العباقرة من زعماء التاريخ وقادة الأمم والشعوب، الذين بنوا أمجادا وحققوا بطولات وأقاموا دولا عظيمة نجد أنهم تميزوا في طفولتهم بموهبة (الذكاء الإداري)، وأن ذكاءهم الإداري وقدراتهم القيادية تجلت في تصرفاتهم منذ طفولتهم ونضجت عبر مراحل العمر التالية.
المصدر: صحيفة اليوم ، العدد 13529 .