الثلاثاء 15 أكتوبر 2024 / 12-ربيع الثاني-1446

الرسالة الأسبوعية



بسم الله الرحمن الرحيم

 

   د.فيصل بن سعود الحليبي

   المشرف العام على الموقع


الجمعية .. وتنمية الأسرة

في منتصف العقد الثالث من عمر جمعية البر بالأحساء، وبعد أن ألقت بظلالها على الأسر المحتاجة؛ تمدهم بالغذاء، وتسد حاجتهم من الكساء، وتشعرهم بالمواساة، وتكفهم عن السؤال المخجل، تقدمت بين يديها فكرة طموح؛ تستهدف بناء الأسرة وحمايتها، ذلك الكيان العظيم، الذي يربطه الرباط الأوثق، وتجمعه الكلمة الشرعية، وينهض على أساسٍ رباني كريم، قال فيه سبحانه : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} .

تأسس مركز التنمية الأسرية في ظلال جمعية البر بالأحساء، ممسكا بخطام المعرفة، والمهنية الأكاديمية منذ يوم ميلاده؛ السابع عشر في محرمِ عام ألفٍ وأربعمائةٍ وستة عشر للهجرة؛ مستفتحا انطلاقته الإصلاحية الأسرية، التي شملت ثلاثة مسارات:

الأول : الوقاية من غوائل الشرور المحدقة بالأسرة المسلمة.

الثاني : الإنماء، بتقديم كل ما ينمي التواصل الإيجابي بين أفراد الأسرة.

الثالث : العلاج، ببذل كل السبل المتخصصة في حل المشكلات الأسرية.

ولقد تضمنت خطة المركز الخمسية انطلاق ثمانية أقسام رئيسة، كل منها يحمل رسالة تختلف في تنفيذها، وتتحد في هدفها، وهو إسعاد الأسرة على المنهج الشرعي الكريم، وغرس قيم الحب بين أفراد الأسرة، وتربية النشء على بر الوالدين، وصلة الرحم.

وهذه الأقسام هي: قسم البرامج العامة، وقسم التدريب والتطوير، وقسم الاستشارات، وقسم إصلاح ذات البين، وقسم الإعلام، وقسم العلاقات العامة، وقسم الدراسات والبحوث، والقسم النسائي، وقسم تنمية الموارد والمحاسبة، وقسم تنمية الموارد البشرية، وقسم التقنيات.

وتتضمن هذه الأقسام عددًا من المشاريع المتجددة، والتي لاقت قبولاً كبيرًا داخل المحافظة وخارجها.

ونال المركز قصب السبق في اجتماع عدد من المختصين والمهتمين والأكاديميين من مختلف مؤسسات البلد المختلفة، وغدت ميادينه مجالات رائعة للعطاء الإرشادي، الذي ضم نخبة من العلماء والمدربين والمحاضرين والاستشاريين والأطباء، وكان واجب المركز تجاههم ـ بعد تقديرهم وشكرهم ـ أن تعهدهم ببرامج دورية تطويرية يقدمها لهم أهل الخبرة والدراية؛ بغية تواصلهم مع المعرفة التي لا تكف عن التطور والتجدد، ولكي يكونوا في تصورٍ مستمر لمستجدات العصر .

ولعلي في إيجاز أعدد أبرز البرامج التي قدمها المركز خلال أعوامه السبعة:

المحاضرات العامة، والمنتديات الأسرية، والبرامج التدريبية، وإصدار الكتب والمطويات، وتوزيع المجلات الأسرية، والجوال الأسري، وتسجيل البرامج الإذاعية، والمشاركة في القنوات الفضائية، وإصدار المحاضرات الصوتية، والهاتف الاستشاري للكبار والصغار، وإصلاح ذات البين، واستقبال الاستقطاع الشهري، وعقد شراكات مع عدد من المؤسسات لتنمية الموارد المالية للمركز كالمعاهد والأكاديميات وأقسام خدمة المجتمع في مؤسسات الدولة والقطاع الخاص ونحوها.

ولقد أكرم الله تعالى المركز ببرامج كبرى كان لها أثر كبير في مسيرته الإصلاحية الأسرية، ويأتي في مقدمتها: المنتدى الأسري، والدروس الحوارية الأسرية، والأسبوع التدريبي، والحملة التوعوية ضد العنف الأسري، والبداية الرشيدة في تأهيل المقبلين على الزواج، وتأهيل المصلحين الأسريين، والبرامج التوعوية في الدوائر الحكومية .

أما مشروعه الذي امتدت أياديه إلى عشر مدن في مملكتنا الحبيبة، فهو: (دبلوم الإرشاد الأسري)، المعتمد من كلية المعلمين التابعة لجامعة الملك فيصل، فلقد كان رافدًا علميًا من روافد تأسيس الثقافة الإرشادية الأسرية، فقد تخرج فيه أكثر من (380 ) متدربًا ومتدربة ، والحمد لله .

وحظي المركز بشرف عظيم حينما يسّر الله له افتتاح : معهد التنمية الأسرية العالي للتدريب ( الرجالي ) ومعهد التنمية الأسرية العالي للتدريب ( النسائي ) في مقرين منفصلين يتبعان مؤسسة التدريب المهني والتقني، حيث ينهض كل من هذين المعهدين بإقامة عدد من الدبلومات مثل : دبلوم الدعم الفني، ودبلوم القيادات الاجتماعية، ودورة إدخال البيانات ومعالجة النصوص، وعدد كبير من البرامج التطويرية والاجتماعية.

كما ساهم في بناء الشخصية الشبابية بافتتاح نادي التنمية الشبابي على طيلة العام، يضم نخبة متميزة من الشباب الطموح المنتمي لدينه ولوطنه ولأمته.

وأخيرًا : فإن الالتفاتة الأسرية التي وجدها المجتمع من جمعية البر في هذا المركز المبارك، استحقت بحمد الله تعالى أن تكون أنموذجًا فريدًا يحتذى، وتجربة ناجحة لا تزال تستنسخ جملة وتفصيلاً، حتى يسّر الله تعالى تتابع افتتاح عدد من مراكز التنمية الأسرية في المملكة وخارجها، تحمل الفكرة نفسها، ويسعد المركز بشكل مستمر بزيارات أهل الفكر لنقل فكرة مركزنا إلى كل صقع يحب لأسره الفرحة والسعادة .

وإن الآثار الرائعة التي رأينها رأي العين، وسمعنا عنها عن قرب وبعد، في التئام لحمة الأسر، وتأليف القلوب، وإسعاد النفوس، ونبذ الفرقة، وانخفاض نسبة الطلاق إلى 14% فقط، بعد أن كانت 20%، وتطوير الذات نحو الأفضل، ونشر عبق الحب بين أنفاس القلوب، والتلذذ بطعم الحياة الهنيئة، لهي آثار أكبر من أن تعدها الأرقام، أو تدونها الأوراق، وحسبنا من ذلك دعوات كل مستفيد ومستفيدة، وابتساماتهم التي تودع الدموع، وتفارق العبوس والاكتئاب .

والفضل لله أولاً وأخيرًا على توفيقه وتسديده، ثم لولاة أمرنا وفقهم الله تعالى، ولجمعيتنا الموقرة على كريم متابعتها، ولأهل الخير من المؤسسات الخيرية الداعمة التي كان لها أبرز الأثر في هذا النجاح، ولفريق المركز الذي جمعته الألفة، ووحدته الرسالة النبيلة، وتوّجه الله بمواهب نادرة، سخرها لخدمة دينه ومجتمعه ووطنه.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم