يخطئ من يتصور أن السعادة يمكن أن تتحقق في حياة الفرد بواسطة حبوب أو أقراص يتعاطاها بصورة أو بأخرى ، فهذا التصور فيه الكثير من الخيال والوهم ، وهو اختزال غير منطقي لمعنى السعادة ومفهوم ساذج لكيفية تحقيقها.
عن حقيقة السعادة يقول الدكتور يسري عبد المحسن أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة : إن السعادة حالة نسبية من الشعور بالرضا والاستمتاع بالأمان وتجنب كل ألوان الفزع والخوف والبعد عن شوائب التفكير في الأحزان وطرد روح التشاؤم والتطلع إلى كل ما هو جميل مشرق من أمل وعمل.
أما الاكتئاب فلا أعتبره حالة مضادة للسعادة لكنه مرض مؤقت كأي مرض عضوي يصيب الجسم مثل القلب أو المعدة أو الكبد.
ولذا فالأقراص الدوائية المضادة للاكتئاب والتي كانت تسمى سابقاً ” مفرحات النفوس ” ما هي إلا مواد كيميائية تعمل على ضبط الحالة المزاجية المرضية للمصابين بالاكتئاب النفسي عن طريق تعديل التوازن لبعض الموصلات العصبية في مراكز معينة بالمخ وتصحيح مسارها وذلك لفترة زمنية تمتد من سنة أو أكثر حتى تمام الشفاء من المرض.
ويمكن أن يكون الشخص المكتئب غير سعيد كما يمكن أن يصاب الشخص السعيد بالاكتئاب ولو لفترة زمنية قصيرة سرعان ما تختفي وتزول مع العلاج النفسي والدوائي.
ولما كان الإنسان قد خلق لكي يسعى ، والسعي في الحياة فيه مشقة وتعب وعناء فإنه على قدر السعي وتحمل المشقة يكون الثواب من الخالق سبحانه وتعالى إذ يقول في محكم التنزيل : ” وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى * وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا ” النجم : 39 ـ 44 .
” يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ ” الانشقاق : 6.
إذن الأصل في الحياة السعي والكدح والمعاناة ، ” لقد خَلَقنا الإنسَانَ في كَبَد ” البلد : 4.
لكن كيف تتحقق السعادة مع حياة الشقاء والكفاح والكدح والكبد؟
يجيب د. عبد المحسن على هذا السؤال بكلمة واحدة هي ” الرضا ” .
ويوضح أن الرضا لمن يرضى ، ” ولن يرضى مخلوق من البشر إلا إذا استقر بداخله إيمان ويقين ـ لا يتزحزح ـ بقدر الله عز وجل وقدرته “.
من هذه المعادلة يمكن القول : إن مفتاح السعادة النسبية هو ” الإيمان ” والتسليم بقدر الله وقدرته وواسع علمه وعظيم حكمته دون اعتراض.
إذن السعادة لا تباع ولا تشترى ولا تقتصر على من يملك وتبتعد كل البعد عمن لا يملك .. ولا تهبط من السماء في ضربة حظ أو صفقة بيع وشراء .. ولا تحتاج إلى سعي دءوب أو جري الوحوش ، وإنما هي نابعة من داخل الإنسان تتوهج وتتألق بوقود الإيمان وتستمد طاقتها بالرضا بما قسم الله والتسليم بما أراد. ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ” يونس : 57 ـ 58.
ودعا د. عبد المحسن المسلمين إلى إعادة منظومة التوازن بين الماديات والمعنويات وإعلاء قيمة العقيدة والتسليم بالقدر، وعدم الاعتداء على ممتلكات الغير أو السعي وراء المكاسب المادية دون وجه حق ، حتى يتحقق لهم السلام النفسي والسعادة الحقيقية المتمثلة في رضوان الله عز وجل .