السلوك الانتحاري : الغاية والوقاية .
د. مسفر يحيى القحطاني .
أن إقدام الفرد على إزهـاق روحه و التخلص من حياته بإرادته ، يعتبر من أغرب أنواع السلوك الإنساني ، و أصعبه على الفهم و التفسير فالتخلص من الذات (الانتحار) أصبحت من ضمن أسباب الموت البشري في هذا العصر و الذي أطلق عليه عصر القلق ، وخصوصا في المجتمعات الغربية و النسبة تقل و بكثير في البلاد الإسلامية لوجود الرادع الإيماني ألا أنه و مع هذا فإنها تظل محلالدراسة والعناية من قبل المختصين و الدارسين في مجال العلوم الإنسانية .
و تتعدد دوافع و غايات الإنتحار ذلك لأن الإنسان الواحد هـو عالم خاص فريد بذاته له فلسفته الخاصة في الوت0 فالكراهية الطاغية للحياة عند الفرد ، كما هو الحال عند مرض الاكتئاب الشديد ومرضى فصام الشخصية الذين ينتحرون بطريقة اندفاعية كاستجابة لهلاوس سمعية أو وجود ضلالات اضطهادية .
كذلك الأمراض الخبيثة المستعصية و المؤلمة كالسرطان و الإيدز قد تدفع بعض المصابين بتلك الأمراض إلى الانتحار كراهية لاستمرار حياتهم على هذا الحال. و هناك من يقدم على الانتحار للتخلص من العار أو بسبب اليأس و الإحباط ، أو عند شعور الفرد بشدة الإثم أو الجرم الذي أقدم عليه فينتحر كمعاقبة لذات بالموت0 و الانتحار في تصوري أنه عملية حسابية شخصيه لا واعـية يجريها الشخص مع
ذاته فيعطي للموت قيمة أكبر و أفضل من الحياة في وضع يتصوره هو أنه يستحيل العيش فيه مع القنوط و فقدان الأمل في التخلص من ما يعانيه من أزمات وضغوط و استحالة التغير إلى الأحسن ـ كما يتصورـ وهناك من يقدم على الانتحار لعدم النضج بفعل عوامل التربية الخاطئة وضعف الإيمان و يصاحبها اضطرابات مزاجية حادة ، إضافة إلى نظرته السوداوية للحياة .
و شـهدنا فيما مضى من الزمن ظهور سبب أخــر من الأسباب التي تجعل الفرد غير السوي يندفع نحو الموت لكونه قد أعتنق بعض العقائد أو بعض المفاهيم الدينية الخاطئة و خصوصا فئة الشباب السائرين على هدي أصحاب التيارات المتطرفة و الفكر المنحرف وأصحاب الفتاوى المارقة عن الدين فيضع هؤلاء الشباب الضالين أرواحهم تحت تصرفهم معتقدين أن ذلك فداءاً لله و جهاداً في سبيله 0فيفجرون أنفسهم ضمن عمليات إنتحارية تخريبية كترجمةعملية واستجابة لنداء الإصلاح وحب الشهادة!!
ولمنع تفشي وانتشار ظاهرة الانتحار ولأي سبب من الأسباب فأن هناك عدة و سائل تختلف من وسيلة إلى أخر في درجة فاعليتها في المنع أو الحد و بدرجة كبيرة من محاولة الإقدام على السلوك الانتحاري هذه الوسائل تشترك فيها أكثر من جهة داخل المجتمع ، من أهم هذه الوســائل:
1ـ تربية الأسرة على مخافة الله و عدم اليأس من رحمته ، يقـول تعالى (( و لا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما))0
2ـ تربية أفراد الأسرة على مفهوم أن الإنسان يولد و محدد له أجله ورزقه و حاله سعيداً أم شقياً0و توضيح أن الانتحار محرم شرعاً و أن فاعله في النار 0
3ـ تربية الناشئة على أن هذا الدين العظيم جاء من أجل مقاصد عظيمة يجب أن يتعلمها كلّ مسلمٍ ومسلمةٍ، هي حفظ الضرورات الخمس، والتي يُسميها العلماء مقاصد الشريعة:حفظ الدين، و النفس، والعقل، و العـــرض، والمال.
4- حسن التعامل و التواد بين أفراد الأسرة و خفض نبرة الانتقاد الزائد عند التحاور و في مختلف المواقف و الظروف التي تنشأ داخل الأسرة ، و أخذ كل تهديد بالانتحار قد يلوح به أي فرد من أفراد الأسرة بعين الاعتبار حتى لو كان ظاهره نوعاً من التلاعب و عــدم الجدية فقد يفعلها!! كما يجب مساعدته على حل مشكلاته التي جعلته يهدد بالانتحار لكي لا يكون فريسة سهله للأفكار الضالة الهدامة التي تصرفه عن التفكير العقلاني في تدبير شؤونه .
5- تصحيح المفاهيم و المعتقدات الدينية الخاطئة المظللة و تبيان حقيقة الجهاد في سبيل الله ، و الحث على واجب طاعة لله ورسوله و أولي الأمر0 و الحقيقة أنه ليست هـذه كل سبل للوقاية من الانتحار أو التفكير فيه، ولكنها من أهمها و أنجحها 0