الثلاثاء 10 ديسمبر 2024 / 09-جمادى الآخرة-1446

العلاقات غير الشرعية خارج إطار الزوجية.



العلاقات غير الشرعية خارج إطار الزوجية..

د. فيصل بن سعود الحليبي .

ما أسباب العلاقات خارج إطار الزوجية؟
لم يكن هذا الموضوع مثار جدل ولا محل جرأة للحديث عنه علنًا هكذا في الأوساط الإعلامية وخصوصًا في مجتمعاتنا المحافظة، ولا يعني أنه لم يكن موجودًا سابقًا، بل هو موجود منذ بداية التاريخ حتى في القرون المفضلة،
لأنه يعد تسرب للفطرة السليمة خارج نطاقها الصحيح، غير أن أمره قد اتسعت رقعته، واتخذ أشكالاً مختلفة، وأصبح يشكل قلقًا وواقعًا يهدد بيوتًا كثيرة، في غفلة من الرقباء ، والمصيبة أن البلاء به لا يعلم إلا بعد أن يبدو دخانه ويرتفع، والعلاج بعد ذلك ممكن غير أن الوقاية منه أولى وأنجع .
هذا وإن عددًا من الأسباب كانت وراء هذه العلاقات غير الشرعية، علم بها أهلها أو لم يعلموا ، ولعل من أهم هذه الأسباب :

1)      عدم الإعداد العلمي والاجتماعي والنفسي لإدارة الحياة الزوجية قبل الزواج، مما يؤدي إلى فقدان القدرة على الأخذ بزمام الأمور بكل أشكالها الاجتماعية والنفسية والعاطفية والجنسية .

 

2)    2) عدم تطوير الزوجين نفسيهما من حيث التعرف على الاحتياجات الذاتية بين فترة وأخرى؛ حيث إنني أجد أنها متغيرة بتغير المستجدات الحديثة، فماذا عسى أن يصنع أحدهما بشيء اسمه مثلا ( الشات ) وهو يرى الطرف الآخر يتعامل معه وهو لا يعرف عنه شيئًا !! فإن اللذة التي يجدها المراسل بهذه الأداة لذة خطيرة قد تجره إلى علاقة محرمة، ولو وجدها مع زوجه لسعد بها معه دون الحاجة إلى الحرام.

 

3)     إهمال المشاعر والاستهانة بمشكلات الطرف الآخر، وعدم الاكتراث بما يشغل باله، مما يضطره إلى البحث عمن يشعر به ( صدقًا أو خداعا )، وبين يديه يلقي بمشاعره بين يديه، ومن ثم يرى بأنه الأحق بأن يعطيه كل شيء ولو كان شرفه أو عرضه !!

 

4      ( العنف الأسري ) هذا المصطلح الذي تزامن في انتشاره وتناوله مع هذا الموضوع المطروح هنا، ولذا يجب على المتخصصين الربط بينهما، فما لجأ المنحرفون إلى العلاقات غير الشرعية إلا بعد أن نالوا قسطًا من العنف الأسري، سواء كان كلاميًا أو يدويًا أو عاطفيًا.

 

5)      المسلسلات والأفلام الإباحية، التي تزين العلاقات المحرمة، وتصوغها على شكل ( حريات ) أو ( مغامرات ) أو ( حقوق مهضومة يجب أن تسترد )، وفي المقابل تنظر إلى الزواج أو السعي إليه بأنه (رجعية ) أو ( كبت للمشاعر والأحاسيس ) أو ( تقييد للحريات ).

 

6)     التقنيات الحديثة حينما تستخدم من غير متابعة، حتى لو كان هذا الأمر بين الزوج والزوجة، لأن الضعف والفتور في الإيمان مرض ربما أصاب أي إنسان لا يفرق بين مرحلة واخرى.

 

7)     الاستهانة في التعامل بين الرجل والمرأة الأجنبيين، فقد تساهل الكثيرون في هذا الشأن، بحجة العمل الرسمي أحيانًا أو التعارف أو العمل الخيري أو حتى القرابة، ولنذكر هنا قول النبي صلى الله عليه وسلم:( الحمو الموت )، ولك أن تعجب من الزوج الذي يرضى لزوجته أن تحادث الرجال، أو أن تضعف غيرة الزوجة على زوجها فلا تبالي بكلامه مع النساء الأجنبيات !!

 

8)  الفراغ الذي يتركه الأزواج لزوجاتهم، حيث ينشغل الزوج بعمله نهارًا، وبجلساته مع أصحابه ليلاً، ويترك الزوجة مع الفراغ القاتل، الذي لا يملي عليها إلا الشهوات ومد الجسور المشبوهة مع الآخرين، إلا من رحم الله، وقل مثل ذلك في حق الرجل الذي انشغلت زوجته بأهلها أو صوحيباتها أو بالأسواق أو حتى بالعمل المكثف ولو كان في الخير أو العلم والدعوة !!

* من يتحمل وزر هذه العلاقة الزوج أم الزوجة ولماذا؟
لعلي أضع المسؤولية بالدرجة الأولى على الزوج، لأن القيادة يجب أن تكون بيديه، وأن المرأة مرآة تعكس ظلال الرجل عليها، ولأن التفريط في العلم بالحقوق وأدائها في جانب الرجل أكثر، حيث يضيف كثير من الرجال ارتباطات أخرى على أعمالهم ،
غير أني لا أعفي المرأة من المسؤولية فإن لديها من الوسائل ما تنمي بها الحميمية بين الزوجين مهما كانت في مستواها من الجمال والمال، فماذا بذلت الزوجة من جهد في سبيل الأخذ بلباب زوجها وقلبه، فما تزال الكتب والمواقع تزخر بمزبد من الأفكار المؤثرة التي توطد العلاقة بين الزوجين، وتزيدها ألفة وصفاء ومحبة، ليحكم الزوجان قبضتهما على سكنهما فلا يجترأ أحد على أن يتعد حدوده، أو يقفز على أسواره .
 
ـ  لماذا يلجأ الأزواج والزوجات لعلاقة خارج إطار الزوجية ؟
لا أظن أن أحدًا يود أن يهدم حياته الزوجية، ولا أعتقد أن أحدًا يقدم على علاقة غير شرعية وهو في أمن وأمان نفسيين، بل في الغالب ما ترى أن هؤلاء المذنبين يعيشون اضطرابًا وارتباكًا وضعفًا إيمانيًا خطيرًا، بل ويعيشون أسفًا وحرقة وخاصة حينما يقترن بذلك تهديد ووعيد من الدخيل على حياتهم .
وإنما لجأ أحد الزوجين إلى هذه العلاقة المحرمة بسبب عدم الانسجام مع زوجه، وعدم تفهم نفسيته، ولربما مجبرًا على الزواج منه، أو لأنه لم يعرف كيف يدلف إلى قلبه، أو لانشغال الطرف الآخر عنه لسبب أو لآخر، سواء كان خيرًا أو شراً،
ولعلنا نذكر هنا قصة سلمان الفارسي رضي الله عنه حينما زار أبا الدرداء رضي الله عنه، فرأى زوجته متبذلة، فسألها عن ذلك، فقالت : إن أبا الدرداء ليس له حاجة في الدنيا، فأتى سلمان لأبي الدرداء، فوضع بين يديه طعامًا، فقال له : كل، فقال : إني صائم، فألزم عليه أن يأكل، فأكل، ثم لما جاء الليل فقام أبو الدرداء للصلاة، قال له : نم، فلما جاء ثلث الليل الأخير قام معه وصلى، ثم قال له : إن لنفسك عليك حق، وإن لأهلك عليك حق، وإن لزورك عليك حق، … فأعط كل ذي حق حقه، فلما سمع بذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال : صدق سلمان .
وما أروع أثر الصداقة الطيبة في تحسين العلاقات الزوجية، حينما يتواصى الأصدقاء الطيبون على إعطاء الحقوق وأدائها إلى أصحابها من والدين وزوجين وذرية.
وأؤكد على أن أصحاب السوء من رجال ونساء من أبرز الأسباب المؤثرة في انتشار العلاقات غير الشرعية، والأغرب أن تتخذ اللقاءات الرسمية في العمل محلاً للتعاون على ما ينهى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عنه، فأيننا من قول الكريم سبحانه : ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ).
 ـ  كيف نحفظ الأسرة من هذا الأمر الذي انتشر كثيرا؟
إن هذا السؤال مهم للغاية، إذ أنه الوقاية التي يجب أن ينشدها المجتمع المسلم، وذلك بإنشاء المؤسسات التوعوية التي تحمل هم حراسة الفضيلة، وحماية الأسرة، تلك اللبنة الأولى للأمة بأسرها، ويتمثل ذلك في افتتاح مراكز التنمية الأسرية التي نهضت في الآونة الأخيرة بحمل ثقيل وأنتجت نتاجًا طيبًا، وآتت ثمارًا كريمة من خلال المحاضرات العامة والبرامج التدريبية وإصلاح ذات البين والهاتف الاستشاري والإعلام الهادف الذي يقدم التوجيهات الأسرية الطيبة .
وهذا الشأن يجب أن نحث الأزواج والزوجات على حضور برامج التدريب على الحياة الزوجية قبل الدخول إلى عشها، وهذا البرنامج هو ما أسميناه بـ ( البداية الرشيدة ) في مركز التنمية الأسرية التابع لجمعية البر بالأحساء، حيث يقدم البرنامج في ثلاثة أيام، يتناول فيها كل ما يتعلق بعلاقة الزوجين الشرعية والاجتماعية والنفسية والعاطفية والجنسية، ليكون الزوجان على بصيرة في عقدهما، ولتكون حياتهما أكثر ارتباطًا وانسجامًا وحبًا، وليكون كلاً منهما محلاً لسكن الآخر وطمأنينة روحه، ولا يكون في حاجة إلى أن يمتد بصره أو يتعلق قلبه أو يرتبط عقله بالحرام .
* الطلاق أليس حلا إن كان كل طرف لا يرغب بالآخر بدلا من اللجوء لعلاقات أخرى؟ ولماذا نكره الطلاق ونقيم علاقات فنستحل الحرام” العلاقة غير الشرعية” ونترك المكروه “الطلاق”؟
إن قبل حل الطلاق مسافة طويلة من الحلول الناجحة، والتي رأينا أثرها رائعًا وكريمًا على الزوجين، وإنما الطلاق مثل الكي، والكي آخر الدواء.
ويجب أن لا نصدق أن كلاً الزوجين أو أحدهما إذا وقع في العلاقة غير الشرعية أنه يكره الآخر، وإنما لم يعرفا كيف يتواصلا بشكل صحيح قلبًا وقالبًا ، روحًا وجسدًا، معنى وشكلاً،
والقضية تحتاج منا إلى إعادة صياغة لهذه الأسرة المجروحة في عرضها، سواء في حق الرجل أو المرأة، ليعرف كل منهما ما يجب عليه تجاه الطرف الآخر، وماذا يعني أن يكون شريك حياته، وكيف ينسجم معه، حتى يغدو له مثل الماء القراح في الصحراء الملتهبة.
وإنه يجب أن نوقف مدّ الإفساد المنظم الذي تزاوله القنوات الإباحية، والمواقع الإباحية، نوقفه عن بيوتنا فلا يدخل علينا منها ضوء ولا صوت.
إنني أدعو من خلال هذه المجلة ( المتميزة ) اسمًا ومعنى، إلى أن يقرر كل من الزوجين أن يجلسا للتخطيط لحياتهم الزوجية من جديد، ويرسما لهما طريقًا محفوفًا بالورود، ولنجرب، ونتكل على الله تعالى ، فإنه يحب المتوكلين .
ولقد كتبت في هذا الشأن كتابًا أسميته : ( نبتة حب )، حاولت أن أرسم للحياة الزوجية لوحة عميقة المعنى،وإن كانت سهلة وميسرة في شكلها، تتسم بالعفوية وعدم التكلف .
وإني لأشكر مجلة المتميزة على عطائها الرائع في هذا المضمار، وأسأل اله تعالى للقائمين عليها والقائمات سدادًا وتوفيقًا ، وأن يصلح الله بهم البلاد والعباد . 
Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA

  )   عدم الإعداد العلمي والاجتماعي والنفسي لإدارة الحياة الزوجية قبل الزواج، مما يؤدي إلى فقدان القدرة على الأخذ بزمام الأمور بكل أشكالها الاجتماعية والنفسية والعاطفية والجنسية .

 

2)   عدم تطوير الزوجين نفسيهما من حيث التعرف على الاحتياجات الذاتية بين فترة وأخرى؛ حيث إنني أجد أنها متغيرة بتغير المستجدات الحديثة، فماذا عسى أن يصنع أحدهما بشيء اسمه مثلا ( الشات ) وهو يرى الطرف الآخر يتعامل معه وهو لا يعرف عنه شيئًا !! فإن اللذة التي يجدها المراسل بهذه الأداة لذة خطيرة قد تجره إلى علاقة محرمة، ولو وجدها مع زوجه لسعد بها معه دون الحاجة إلى الحرام.

 

3)   إهمال المشاعر والاستهانة بمشكلات الطرف الآخر، وعدم الاكتراث بما يشغل باله، مما يضطره إلى البحث عمن يشعر به ( صدقًا أو خداعا )، وبين يديه يلقي بمشاعره بين يديه، ومن ثم يرى بأنه الأحق بأن يعطيه كل شيء ولو كان شرفه أو عرضه !!

 

4)   ( العنف الأسري ) هذا المصطلح الذي تزامن في انتشاره وتناوله مع هذا الموضوع المطروح هنا، ولذا يجب على المتخصصين الربط بينهما، فما لجأ المنحرفون إلى العلاقات غير الشرعية إلا بعد أن نالوا قسطًا من العنف الأسري، سواء كان كلاميًا أو يدويًا أو عاطفيًا.

 

5)   المسلسلات والأفلام الإباحية، التي تزين العلاقات المحرمة، وتصوغها على شكل ( حريات ) أو ( مغامرات ) أو ( حقوق مهضومة يجب أن تسترد ) ، وفي المقابل تنظر إلى الزواج أو السعي إليه بأنه (رجعية ) أو ( كبت للمشاعر والأحاسيس ) أو ( تقييد للحريات ).

 

6)   التقنيات الحديثة حينما تستخدم من غير متابعة، حتى لو كان هذا الأمر بين الزوج والزوجة، لأن الضعف والفتور في الإيمان مرض ربما أصاب أي إنسان لا يفرق بين مرحلة واخرى.

 

7)   الاستهانة في التعامل بين الرجل والمرأة الأجنبيين، فقد تساهل الكثيرون في هذا الشأن، بحجة العمل الرسمي أحيانًا أو التعارف أو العمل الخيري أو حتى القرابة، ولنذكر هنا قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( الحمو الموت )، ولك أن تعجب من الزوج الذي يرضى لزوجته أن تحادث الرجال، أو أن تضعف غيرة الزوجة على زوجها فلا تبالي بكلامه مع النساء الأجنبيات !!

 

8)    الفراغ الذي يتركه الأزواج لزوجاتهم، حيث ينشغل الزوج بعمله نهارًا، وبجلساته مع أصحابه ليلاً، ويترك الزوجة مع الفراغ القاتل، الذي لا يملي عليها إلا الشهوات ومد الجسور المشبوهة مع الآخرين، إلا من رحم الله، وقل مثل ذلك في حق الرجل الذي انشغلت زوجته بأهلها أو صوحيباتها أو بالأسواق أو حتى بالعمل المكثف ولو كان في الخير أو العلم والدعوة !!

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم