الأحد 06 أكتوبر 2024 / 03-ربيع الثاني-1446

العناية بالمطلقة في القضاء.. ضرورة إنسانية وعدلية



المصدر : جمعية حقوق الإنسان الوطنية .
كانت تسافر كل شهر تقريباً لحضور الجلسات. تكلفها كل رحلة من هذه الرحلات ما يزيد على ألفي ريال. أضف إلى ذلك ما تسمعه وتشاهده من الغمز واللمز من مضيفيها أختها وأخيها وأفراد أسرتيهما, لكن أين تذهب؟ لا تستطيع أن تسكن وحدها في فندق أو شقة، فالغلاء فاحش، والمجتمع الذي تنتمي إليه لا يتقبل مثل هذا السلوك. سيارات الأجرة هي الأخرى كانت معاناة, الكل يريد قطعة من هذه المطلقة, مجتمع قاسٍ، وأنظمة أكثر قسوة.
قررت أن تستعيض عن محاولاتها بسهام الليل “حسب تعبيرها”. تدعو على من ظلمها, فالزوج لم يتنازل عن أنفته وشموخه اللذين ضمنهما له النظام، والذي مكنه من إذلالها وإذلال أسرتها. تدعو على كل من تعتقد أنه كان يحاول عدم البت بحكم قاطع بانتظار أن يتفق الطرفان.
وضع الزوج عشرتهما التي تجاوزت خمس عشرة سنة تحت قدميه. رفض السماح لها برؤية ابنها, رفض أن يدفع لها مؤخر صداقها, حتى إنه لم يوصلها إلى بيت أبيها كما تقتضي الأعراف والأصول. أرادت أن تأخذ حقها دون اللجوء للقضاء، لكنه كان يرفض مجرد الرد على اتصالاتها واتصالات أقاربها، بل وحتى كان يرفض الحديث مع من أرادوا أن يصلحوا بين الطرفين.
لجأت المرأة المكلومة للقضاء, فهي أم تحب ابنها، وتحملت كل سنين حياتها مع طليقها من أجله. إلا أن الرجل كان أكثر سلبية هنا, فكلما أتاه إعلان من المحكمة تغيب مرة, ثم الثانية, وحضر في الثالثة. وهي “من حرصها” تسافر لتحضر كل جلسة، وتخسر في كل سفرة “الشيء الفلاني”.
عانت من مجموعة من الأشخاص الذين يزدرونها كلما دخلت عليهم, ويرفضون شكاواها المتكررة من أن الرجل يحاول أن يذلها ويهينها و “يمرمطها” ـ كما يقول ـ بعيداً عن عيون القضاة. ترى أنها غير ملزمة بإعلام خصمها بمواعيد الجلسات لأنها امرأة, والمرأة لها حقوق وحماية ورعاية خاصة في الدين الإسلامي. الرجل “بسبب مظهره الخارجي” كان يحظى بمعاملة خاصة عندما يأتي للمحكمة، كان يتحدث بلباقة أمام القاضي و يعدها بأن يحقق كل ما تريد. الكل كان يصدقه, إلا الزوجة التي تعرف شخصيته على حقيقتها.
عندما أكملت السنة في برنامج متعددي السفرات, تشمل ما يقارب ثمان رحلات منفصلة, ومواعيد الفرق بين كل منها من أسبوعين إلى شهرين، بعدما عانت الأمرين في المطارات ومضيفيها وبيت أبيها الذي يبعد مئات الكيلومترات؛ جلست لتفكر في مستقبل هذه المحاولة البائسة.
انتقلت قضيتها بين ثلاثة قضاة خلال عام، ومرت على كل التنظيمات واللجان التي أوجدها القضاء لحالات الطلاق. عندما تحين الجلسة القادمة سيكون قاض مختلف, وشرح جديد, ومراوغات من الطليق. القاضي سيكتشف خداع الرجل بعد أن تكون مرت أربعة أو خمسة أشهر. لتبدأ سلسلة جديدة من الرحلات والعناء. اكتفت من كل الإهانات سواء في بلد المصدر, أو بلد القضية، حيث وجدت الجميع يحاربها, فقررت التوقف.
كيف يقبل قضاتنا الأفاضل أن تعيش هذه المرأة مأساة مثل هذه؟ أليس في أروقة المحاكم قضايا تشابه أو تتجاوز هذه القضية في تراجيديتها؟ كيف يقبلون أن تخرج هذه المرأة ـ وغيرها كثير ـ من النظام القضائي دون أن يأخذن حقوقهن؟ كيف ترغم امرأة ليس لها أي مصدر دخل أو قدرة على السفر بهذا الشكل؟
تحتاج قضايا النفقة والطلاق والحضانة إلى وقت طويل من الأخذ والرد. الخلاف الذي أدى بزوجين إلى الطلاق لن يحل بمجرد جلسة أوجلستين. الكثير يخرجون من تجربة الزواج بعداء شديد للطرف الآخر, وهذا طبيعي، نظراً لمسببات وآثار الطلاق. إن محاولة الأزواج الإبقاء على رباط الزوجية يتطلب كما كبيراً من التنازلات والتحمل والصبر. فإذا انفرط ظهرت كل مكامن النفس السلبية والتي كانت مكبوتة، لتتحول إلى ممارسات تظهر الكراهية والبغضاء في أبشع صورهما.
إن وجود هذه الحساسية والغضب بل والكراهية تجعل هدف المتقاضين تحقيق النصر بأي ثمن في قضايا ما بعد الطلاق. فإذا كان طرف على حق فسيستخدم كل ما يمكن استخدامه لإثبات حقه، وإذا كان مخطئاً فسيكذب ويتهرب ويحاول الانتصار بكل وسائل المراوغة الممكنة. يستثنى من هؤلاء من يخافون الله ويعلمون أن مرجعهم إليه. وهم ليسوا موضوع هذا المقال.
المرأة في مجتمعنا بحكم الشرع والعرف والتقاليد، ستكون ضحية في أغلب هذه القضايا، خصوصاً إذا كانت تعيش في مدينة غير مدينة الزوج. إن تعديل طرفي الميزان في هذه القضايا يتطلب أن تحال قضايا الحضانة وجميع القضايا المتعلقة بالطلاق إلى المدينة التي تسكنها المرأة؟ ففي هذا حفظ لها وحماية, وتسريع لإنهاء إجراءات القضية. فالزوج يستطيع أن يسافر وأن يسكن وحده وأن يستأجر السيارة دون أي قيود.
كما أن إلزام الجهات الرسمية المختصة بإعلام المتقاضين بمواعيد الجلسات أولى من أن يكلف طرف في القضية مهمة الإبلاغ. منعاً للصدام والصلف وعدم الحضور.
تصميم وتطوير شركة  فن المسلم