الأحد 06 أكتوبر 2024 / 03-ربيع الثاني-1446

المؤسسات التربوية والتعليمية ودورها في تحقيق معنى الوطنية .



                http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcTGY2KY6dYnKpRzhEYv2VuUuCRWYcH7MovwBoXbPZ_4bx4cm-bXtJhrPgGcUw
  د. صالح بن علي أبو عرَّاد الشهري 

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ؛ وبعد :
فالوطنية صفةٌ مُشتقةٌ من الوطن الذي يعني مكان إقامة الإنسان ومحل معيشته مع من حوله من كائناتٍ ، وما حوله من مكونات .

وهنا يُلاحظ أن الإنسان في هذا الوطن مرتبطٌ مع من في مجتمعه بالعديد من الروابط الاجتماعية والمصالح المُشتركة .

وليس غريباً أبداً أن يُحب الإنسان وطنه الذي عاش فيه ، ونشأ بين ربوعه ؛ إذ إن ذلك أمرٌ فطريٌ وسلوكٌ طبيعيٌ وعاطفةٌ إنسانيةٌ يشترك فيها الناس جميعاً على اختلاف الأزمنة والأمكنة . وهنا يجب تأكيد أن الوطنية الصادقة المنضبطة لا تتعارض وتعاليمَ الدين

الإسلامي الحنيف وتوجيهاته الكريمة التي تحث في مجموعها على محبة الوطن وصدق الانتماء إليه ، وقد أشارت بعض آيات القرآن الكريم في معرض حديثه عن فضائل الصحابة الكرام الذين هاجروا من ديارهم وضحوا بأوطانهم في سبيل الله تعالى إلى شيءٍ من ذلك ، قال تعالى : { للفقراء المُهاجرين الذين أُخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون } ( سورة الحشر : الآية رقم 8 ) .

وليس هذا فحسب فقد أشارت السُنة النبوية – على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم – إلى حب الإنسان لوطنه ، وهو ما تمثل في حب الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لمكة المكرمة وهي بلده وموطنه الأصلي ، فقد روي عن ابن عباسٍ – رضي الله عنهما – أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكة : ” ما أطيبك من بلدٍ ، وأحبك إلىَّ ، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك ” ( الترمذي ، الحديث رقم 3926 ، ص 880 ) .

والمعنى أن حب الوطن في الإسلام أمرٌ واردٌ ولا غرابة فيه إذا كان يعني حب الوطن وصدق الانتماء إليه . وقد دعا إليه الإسلام شريطة أن يكون ذلك الحب للوطن مُتفقاً مع تعاليم الدين ، وبعيداً عن العنصرية المذمومة ، والعرقية المقيتة ، والشعوبية البغيضة ، والقومية الرخيصة التي تتنافى كُلياً والوطنية الحقة ، وتختلف عنها بالكلية .

ولأن في كل مجتمعٍ مؤسساته التربوية والتعليمية التي تُعنى بتنشئة أفراده وتربيتهم وتعليمهم ؛ فإن على المؤسسات التربوية والتعليمية في بلادنا أن تحرص على تحقيق المعنى الصحيح للمواطنة الحقة التي نطمح جميعاً إلى تحقُقها من خلال ما يلي :

1 – الحرص على تحقيق الهدف الرئيس والغاية العُظمى من العملية التربوية الإسلامية المُتمثلة في إعداد الإنسان الصالح والمجتمع الصالح الذي يؤمن بالله تعالى رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً .

2 – ضرورة التمسك التام والمحافظة الكاملة على الهوية الإسلامية المُميزة التي ينفرد بها النظام التعليمي في المملكة العربية السعودية عن غيره من الأنظمة التعليمية المُعاصرة ؛ من خلال العناية بكل ما يمتاز به من خصوصيات مُتميزة ، والعمل على تأكيدها بمختلف الطرائق والكيفيات الممكنة ، وعدم التخلي عنها أو عن بعضها مهما كانت الأسباب أو الدواعي .

3 – التشديد على غرس مبدأ الاعتزاز بالهوية الإسلامية في النفوس من خلال توظيف مُفردات و مناشط النظام التربوي والتعليمي في هذه المؤسسات المختلفة لهذا الشأن ، انطلاقاً من أهمية الشعور بواجب تنمية روح الولاء للشريعة الإسلامية السمحة ، والعودة الجادة إلى رصيد الأُمة الثقافي ومخزونها الفكري الأصيل ، والعمل على توظيفه توظيفاً حضارياً يُعيد له التألق والحيوية والقدرة على مواجهة مختلف التحديات المُعاصرة والمُستقبلية وكشف زيفها وبطلان دعواتها وفي مُقدمتها الإرهاب والتطرف والغلو .

4 – العمل الجاد على استمرار تقييم وتطوير خطط وبرامج النظام التعليمي في مختلف المؤسسات التربوية والتعليمية سواءً فيما له علاقة بالأهداف ، أو المحتويات المنهجية ، أو أساليب التدريس ، أو آليات التقويم ، أو آليات التدريب ، أو إعداد المعلم ، أو غيرها مما له علاقة بالنظام التربوي والتعليمي .

والحرص في هذا الشأن على الإفادة الكاملة من البرامج العالمية المتخصصة في مُختلف المجالات بما لا يتعارض و تعاليمَ وتوجيهاتِ ديننا الإسلامي الحنيف ، ولا يختلف مع ما نصت عليه سياسة التعليم في بلادنا .

5 – توظيف النظام التعليمي في هذه المؤسسات التعليمية بكامل طاقاته وجميع إمكاناته المُختلفة لتنمية الوعي الإسلامي الصحيح البعيد عن التطرف والإرهاب والغلو ، والمتفاعل إيجابياً مع كل جديدٍ ومُفيد شريطة أن يكون ذلك التفاعل نافعاً ومفيداً لمجتمعنا ، وغير متعارضٍ و تعاليمَ وتوجيهاتِ ديننا الحنيف في أي شأنٍ من شؤون الحياة .

وختاماً / أسأل الله الكريم ، رب العرش العظيم أن يحفظ علينا أمننا ، وأن يديم علينا وعلى إخواننا المسلمين نعمة الأمن والإيمان ، والحمد لله رب العالمين .

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم