السيطرة على الأحاسيس السلبية ضرورة حياة وليس فضيلة :
إنّ الأحاسيس السلبية تتراكم في داخل الجسم مما يسبب أمراضاً. فعلى سبيل المثال أظهر بحث أجري في كلّية الطب بجامعة سان فرانسيسكو سنة1986 أن 93% من حالات المرضى في المستشفيات راجعة إلى العقل حينما يفكر بطريقة غير صحيحة تؤدّي إلى اضطراب الأحاسيس وبالتالي إلى ظهور أعراض الاضطراب على الجسم في التحرّكات وتعبيرات الوجه وضربات القلب والتنفّس.. إلخ وهكذا تتراكم الأفكار والأحاسيس مع عدم القدرة على التحكّم فيها.
إنّ الله سبحانه وتعالى قد خلق العقل بحيث يزوّد الإنسان بالأفكار تبعاً لما هو موجود لديه، وعلى هذا الأساس تزيد وتتسع الأفكار فإذا راودت العقل فكرة فيها إحساس سلبيّ فإنّ هذا الإحساس يزيد.
والدليل على ذلك أنّك إذا نظرت إلى الساعة وفكّرت في أمر يغضبك ستجد أن إحساسك اشتعل، ثم إذا نظرت على الساعة بعد مرور ثانية ستجد أنّ إحساسك زاد اشتعالاً، ذلك لأن العقل يبدأ من آخر إحساس ثم ينتقل من إحساس إلى آخر في حركة تصاعديّة ممّا يحدث تراكماً في الأحاسيس وهو ما يؤدّي إلى اشتعال العقل العاطفي وتسارع ضربات القلب -مع العلم أن ضربات القلب تزيد مئة ألف مرة في اليوم الواحد دون أن يشعر الإنسان بذلك– وحين يغضب الإنسان يتغيّر ضغط الدم ودرجة حرارة الدم والجسم ويصير معدّل التنفس أسرع وبالتالي تزيد ضربات القلب، ومع زيادة ضغط الدم يصبح المخ في حالة حذر..
ولم كل ذلك! لأن شخصاً ما زاحمك بسيارته أو اختلف معك في الرأي؟!
إن من الأيسر والأفضل لك أن تتحكّم في أحاسيسك ومشاعرك وأن تتعلّم فن الاتصال مع الآخرين في عملك وبيتك وجامعتك.
لأنهم لا يدركون أن تلك الأحاسيس تسبب لهم أمراضاً وتؤثر على علاقاتهم بالآخرين. قال تعالى (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك(
حينما يغضب الإنسان –وإن لم يتماد في غضبه- فإن المخ يدرك ذلك ومن ثم يفتح ملفاً عقلياً يحمل نفس العنوان الذي أوحيت له به “أنا غاضب” وكلّما غضبت أدرجت نفس الأحاسيس والأفكار في ذلك الملف. وبالتالي تتراكم الأحاسيس وتتزايد حدّة مشاعر الغضب، ومع تقدّم الإنسان في السنّ وتراكم الأحاسيس يصل الإنسان حين يثار بأتفه الأمور إلى ذروة الغضب بسرعة.
ومن ثم نجد أشخاصاً – قد يكونون ماهرين في أعمالهم- حين يغضبون يفقدون توازنهم وقدرتهم على التحدث والتفاهم وقد يتسبب ذلك في خسارتهم لأموالهم أو تسريحهم من عملهم أو قطيعتهم مع الآخرين. هل سلوكهم هذا يرضي ربهم أو يحقق أهدافهم أو يحسّن صحّتهم؟ بالطبع لا! إذاً لماذا يفعلون ذلك؟
تتلخّص الإجابة في كلمتين: البرمجة السابقة. تلك البرمجة التي يكتسبها الفرد من الأسرة والمدرسة والأصدقاء ووسائل الإعلام والمحيط الاجتماعي ككل، فضلاً عمّا يضيفه هو على ذلك.
لقد حان الوقت ليدرك الفرد أن أحاسيسه تتسبب في نتائجه ولذا يتعيّن عليه أن يتعلّم كيف يضبط أحاسيسه ويتحكّم فيها حتى يستطيع أن يعبد ربه على نحو أفضل وان يسعد بحياته الزوجيّة وان يوثق علاقاته بأصدقائه.
إن من البؤس أن يعيش الإنسان وحيداً وسط الناس.
إن الله عز وجل قد خلق العقل للإنسان كي يكون خادمه لا مديره، فإن جعلته مديرك فسوف يدير لك فقط الملفات العقلية التي تمّت برمجتاها في الماضي، تلك الملفات التي أشار باحثو جامعتي سان فرانسيسكو وهارفارد إلى أن 90% منها ذو أثر سلبي لان الفرد يكتسبها من المحيط الاجتماعي دون أي إدراك أو تحكم منه وبالتالي قد تكون غير مناسبة للفرد وطبيعة معيشته في الحياة.
على سبيل المثال قد يكون الوالدان من النمط العصبي سريع الانفعال فيكتسب الطفل ذلك منهما دون وعي، مما قد يسبب له مشكلات أو تعسراً في التعامل مع الآخرين حين يكبر. ومن ثم على الفرد أن يعمل على تصحيح تلك البرمجة السابقة وتنقيحها ومراجعتها أوّلاً بأوّل حتّى تتحسن حياته وعلاقاته بالآخرين.
احذر! الأحاسيس السلبية تهدمك من الخارج ومن الداخل أيضاً
لقد أثبتت الأبحاث التي أجرتها الجامعات العالمية أن غليان الدم وارتفاع ضغطه المفاجئ قد يؤدي إلى حدوث جلطات أو سكتات قلبية لان الدم يضخ بقوة على القلب فيرتفع معدّل ضربات القلب في حين أن الفرد يلتقط أنفاسه بسرعة مما يمنع الرئتين من الامتلاء الهواء وبالتالي يتأثر الجسم كلّه.
وقد يصل الأمر على حد الإصابة بالسرطان لان الخلايا السرطانية موجودة في الجسم أصلاً وجهاز المناعة يقوم بالسيطرة عليها ولكن الإنسان حين يغضب يشتعل كل عضو وكل جهاز في جسمه ويصير في حالة تأهب وانشغال للدفاع ضد عرض ليس موجوداً وبالتالي تسنح الفرصة للخلايا السرطانية لتهاجم الجسم.
وكثيراً ما تؤدّي تلك التغيرات الفسيولوجية الحادة التي تصاحب ثورات الغضب إلى الصداع النصفي نتيجةً لارتفاع ضغط الدم في المخ وقلة كمية الأوكسجين الواصلة غليه.
إذاً فليتحكم الإنسان في أحاسيسه ليعيش حياةً أفضل وأسعد. فإذا كان الإنسان ودوداً أو فظّا غليظاً، أو متزناً رحيماً أو غضوباً مضطرباً فإنّ ذلك كلّه يرجع إلى ما بداخله من أحاسيس ومشاعر.
______________
المصدر: مجلة عالم الإبداع .