وفجأة انفتح العالم، وسقطت جدر الحدود العلمية بين الدول، فلم نعد نستطيع أن نعيش بعيدا عن التقويم العالمي لأدائنا، فانفتحت بذلك أبواب من التقدم والفضاء المعرفي.
وجدت معايير عالمية للجودة التعليمية، فاكتشفنا أن جزءا مما كنا نعمله في مساره الصحيح، وأن كثيرا مما يجب أن نعمل مفقود، وعلينا الآن أن نعيد حساباتنا لمراجعة الذات، والبحث فيما يجب أن نفعله بالفعل، ولا سيما أننا نملك إمكانات مادية ضخمة، قادرة على دعم كل منجز بإذن الله تعالى.
وبعد هنيهة، دخلت بعض جامعاتنا في الرقم الدولي، وهو ما شجع بقية الجامعات والتعليم العام على المضي في رفع مستوى معايير الأداء الوظيفي، وتجديد الأهداف، والرقي بالرؤية من المحلية إلى العالمية.
قد يكره المرء أن توضع له معايير محددة، ثم يطلب منه تسديدها، وكأنها ديون ثقيلة على عاتقه، ولكن الحقيقة أن وجود المعايير عدالة، والاهتمام بها سوف يولد تقدما ملموسا في الاتجاه الصحيح، وهذا هو المهم، إذا إننا نركض منذ أزمان متطاولة، وحققنا كثيرا من التقدم لبلادنا، ولكننا الآن في المؤسسات التعليمية بكل مستوياتها ـ نعرف أكثر من ذي قبل، ماذا نصنع؟ وما الأوليات؟ وما حقيقة التقدم التعليمي؟
لنكف لبرهة من الزمن عن الثناء على أنفسنا، ولنخط خطوة فاعلة في صمت تاريخي، يتولد عنه انفجار معرفي وتقني، وتأهيل قوي لمستقبل فتي، في القريب العاجل بعون الله تعالى.
لنتتبع كل معيار للجودة بكل دقة، ونحدد موقعنا منه بكل مصداقية وشفافبة، ونستعين ـ بعد الله تعالى ـ بكل خبراتنا التي تكونت عبر نقل الحضارة من خلال دراساتها، أو عبر عملها الطويل في مجال ما، ولا بأس بأن نستعين بخبرات أجنبية بقدر ما نفتقد، وليس لتكون هي الأصل، فبقدر وجود الخبير السعودي الذي يكفينا أمرا ما، يجب أن نستغني عن الخبير الأجنبي، وقد أثبت أبناء الوطن أنهم أحدب عليه وأحن، وأنهم يمتلكون عقليات جبارة، ونفوسا ذات همم عالية، تروض بها عراقيل النجاح بجدارة، حتى وصلوا إلى نجاحات مبهرة.
إن البناء هو المرحلة التي يجب أن تنعقد لها ورش العمل، والمؤتمرات، لا لنضيف إلى قائمتهما اسما جديدا، ثم نسميه إنجازا، ولكن لأننا نحتاج إلى التوصيات التي تصدر عنهما؛ لنحيلها إلى واقع.
ونحتاج مع ذلك، وفي كل مرحلة من مراحل عملنا، إلى صدق مع أنفسنا، ومع وطننا، صدقا تذوب فيه الفردية، وتسمو النفوس العلية، المتطلعة إلى ترك إرث لا يمحى من الأرض بأمر الله تعالى.