الأربعاء 11 ديسمبر 2024 / 10-جمادى الآخرة-1446

تنمية الجانب النفسي في شخصيّة اليتيم



 

د. خالد بن سعود الحليبي

بالموازنة بين الطفل اليتيم في أمريكا والذي يلقى رعاية فائقة من الناحية المادية ، والطفل المماثل له في البرازيل ، الذي لا يتلقى إلا قليلا من كثير من تلك العناية المادية، ولكنه يحصل على كثير من القبل والاحتضان والتربيت والمسح على جلده وشعره من قبل المربيات والمربين بحنان ،

وجد أن الطفل البرازيلي يتمتع بنفسية أفضل وأرحب من الطفل الأمريكي ، واستقامة سلوكية أكثر ، ونجاح في الاندماج في المجتمع في مستقبله أكثر من نظيره الأمريكي المرفه ماديا .

ومن هنا تتبين أهمية هذا الجانب الذي يجب أن توضع لتحقيقه استراتيجية دقيقة، تضع أمامها الاستجابة لهذه الحاجة التي يترتب عليها مستقبل اليتيم جسديا ونفسيا بل وعقليا .

إن الإحسان ( النفسي ) لليتيم هو ما توافرت للحث عليه النصوص الشرعية من الكتاب والسنة ؛ لما ينبني عليه بعد ذلك من استقامة شرعية وسلوكية ؛ ومن ذلك قول الله تعالى : ( فَأَمَا الْيَتِيْمَ فَلاَ تَقْهَرْ ) . وقوله تعالى ( أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّيْنِ ، فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيْمَ ) .

(( وتتجلى أهمية الإكرام في دفع مرض نفسي خطير وهو الشعور بالدونية، والشعور بالنقص، وغير ذلك من الأمراض النفسية التي تفسد البنية النفسية للإنسان)).

ومن السنة حديث أبي أمامة أن رسول الله قال «مَنْ مَسَحَ رَأْسَ يَتِيمٍ لَمْ يَمْسَحْهُ إِلَّا لِلَّهِ كَانَ لَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ مَرَّتْ عَلَيْهَا يَدُهُ حَسَنَاتٌ وَمَنْ أَحْسَنَ إِلَى يَتِيمَةٍ أَوْ يَتِيمٍ عِنْدَهُ كُنْتُ أَنَا وَهُوَ فِي الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ وَفَرَّقَ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى». والمسحة هنا لا تعني غير الملامسة الجسدية ، المملوءة حنانا وشفقة وحبا ، مما افتقده اليتيم في حياته .

ومن الواقع فقد أخبرني بعض من عمل في دور الأيتام الحاجة الشديدة لدى اليتيم لملامسة جسده بحنان ؛ كالمسح على رأسه أو الإمساك بيده ، بل إنه يتمسح عمدا بجسد المربي ، بل إنه تنفرج أساريره ويسهل انقياده وطواعيته ـ مهما كان عنيدا مشاكسا ـ حينما يخبره أحد العاملين في الدار أنه يحبه ، حتى صرح أحدهم أنه لم يسمع هذه الكلمة من قبل .

إن حرمان هؤلاء من جو الأسرة في سني التنشئة الأولى قد يؤدي بهم إلى الجنوح، ومحاولة تحقيق أغراضهم في سهولة عن هذا الطريق المؤذي لهم وللمجتمع().

إن اليتيم يتعذب في داخله بسبب الفقر العاطفي الذي قدر عليه ، مما يجعله يعاني كثيرا من تسلط الأسئلة المجهولة الإجابات على عقله ، والتي تجعله يوازن باستمرار بين وضعه الخاص ، وأوضاع الآخرين الذين يشاهدهم خارج دائرته .

إن الأحاديث النبوية تتضافر على حسن معاملة الأولاد ، والتلطف معهم بالقبلة والاحتضان ، والسؤال عنهم ، والدراسات النفسية تثبت ضرورة التعامل بالحب مع الولد ذكرا كان أم أنثى ، وما يؤدي ذلك إلى نتائج في غاية الأهمية لتنمية شخصية الولد ؛ حيث يكون أكثر توافقا اجتماعيا مع من حوله ، وأكثر تحصيلا دراسيا وتفوقا عقليا وأفضل ابتكارية وتجديدا،

كما ينمو لديه الذكاء العاطفي بجوار الذكاء العقلي ، وتتوافر لديه الدافعية للإنجاز ، بينما يقل مستوى الطموح لدى من يحرم من هذه التربية ، ويرتفع مستوى تقدير الذات لديهم ، والإحساس بالأمن ، ويقل توترهم وقلقهم ، ويكونون أكثر ثقة بالنفس ، وتكون شخصية الطفل انبساطية تميل إلى الحب والتقبل ، بينما يشعر المحروم بالنبذ والانسحاب والانطوائية ، ويدرك حب الآخرين له. واليتيم إنسان يحتاج كل هذا كما يحتاجه أخوه الذي يتمتع ببيئة أسرية مستقرة.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم