أعزّاءنا القرّاء، مع مقالة العدد الماضي أنهينا إحدى المراحل المهمّة في رحلتنا التربوية التنمويّة الممتعة مع الدكتور مصطفى أبو سعد، استكشفنا فيها احتياجات أبنائنا النفسية وتفهّمنا أهمية إشباعها إشباعاً صحيحاً من أجل سلامة حاضرهم وازدهار مستقبلهم، واختتمنا تلك المرحلة بالمدخل إلى قوة التغيير الإيجابيّ وأهميّة التربية الإيمانية وأهدافها.
وبعد هذه المرحلة التأسيسيّة المهمّة التي تحفّز المربّين على طرح الكثير من الأسئلة حول بناء أسرهم أصحّ بناء وتكوين شخصيات أبنائهم خير تكوين نفتتح مع الدكتور مصطفى أبو سعد في مقالة هذا العدد مرحلةً جديدة تضع المربّين على طرق التنفيذ العمليّة الواقعيّة في بناء بيوتهم، وتربية أبنائهم، وتنمية أنفسهم خطوة خطوة.
أهميّة إستراتيجيات التربية العمليّة:
كثيرٌ الذي يُكتب ويُقال عن التربية وأهميتها وخطواتها ونظرياتها وفلسفتها، ولكن قليلٌ الذي يركّز على كيفية هذه التربية ومهاراتها ووسائلها.
إنّ غالبيّة الكتب تركّز على وجوب التعامل الإيجابيّ مع أبنائنا، دون أن ترشدنا إلى كيفية صياغة الجمل التربوية بطريقة إيجابية وسهلة لنحصد النتيجة المتوخّاة سلوكاً صحيحاً يقوم به أطفالنا. يجتهد كثيرٌ من الكتّاب والمتحدّثين في تبيين: ماذا ينبغي أن نعلّم أطفالنا. وماذا نغرس فيهم؟ وعلى ماذا نركّز في تربيتنا؟ ولا نجدُ مثل هذا الاجتهاد في تعليمنا كيف نعلّم؟ وكيف نغرس؟ وكيف نركّز.
على صفحات هذا الباب الجديد (إستراتيجيات التربية العملية) في بناء الأسرة وتربية الأبناء ستجدُ عزيزي القارئ الدكتور مصطفى أبو سعد خبير التربية والتنمية البشرية يقدّم لك عوناً حقيقيّاً وعمليّاً لمن يبحث عن البوصلة الصحيحة لمعاملة أنماط الأطفال المتباينة، ويرشدك إلى كيفية استخدام أفضل العبارات التربوية التي تعينك في أثناء رحلة التربية الإيجابية لطفلك لتحصل على أفضل الثمرات.
سوف تغيّر إستراتيجيات التربية العمليّة مجرى حياتك الأسرية وأنت تعيشها عقيدة وسلوكاً ومشاعر. ستمنحك السعادة، وتصل بك مرحلة الاستمتاع بتربية أبنائك. إنها استراتيجيات تعطيك القوة (قوة الاتصال والبناء) وتمنحك السعادة وتبنيك أنت أيها المربي قبل أن تبني الشخصية النامية عند أبنائك.
ستضع هذه المقالات بين أيديكم ما يفيد المربي الأب والأم والمدرس بأسلوب عملي تنفيذي. وما يمكن أن يشكل برنامجاً علاجياً للمختصين بعلاج سلوك الأطفال. إنها رحلة ممتعة وجميلة فلنبدأها معاً. وما التوفيق إلا من رب العزة.
استراتيجيات التركيز على حل المشكلات
تحدثنا فيما مضى عن قوة التغيير الضرورية للآباء والأمهات المقبلين على اكتساب مهارات التربية الإيجابية، والطرق الناجحة في توجيه الأبناء.
والخطوة الأولى في هذه الرحلة كانت تحديد موقف المربي من إزعاج الأبناء: هل يسعى لحل المشكلة أم إلى إفراز التوتر بالغضب والانفعال السلبي؟
كن مستعداً
إن أحد أهم إيجابيات هذه الإستراتيجية (التركيز على حل المشكلة وليس على الابن) أنها تبرمج سلوكك التربوي، وتحدد موقفك الإيجابي أمام السلوكيات المرفوضة والمزعجة.
إنّ تركيزك على حل المشكلة حينما يتكرر هذا الموقف؛ يحدث لديك برمجة إيجابية تجعلك تمارس دور المربي الذي يحرص باستمرار على حل مشكلات الأبناء ومساعدتهم للتخلص من السلوكيات السلبية. إنّها تساعد الوالدة أو الوالد في أن يكون هادئاً صبوراً حليماً، وهذه من أهم خصال المربي الناجح. (إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة)
إن رأيت ابنك يمزق الجريدة اليومية أمامك وتعوّدت على الصراخ والعنف وتوجيه اللوم عندئذ، فإنك من خلال هذه الإستراتيجية سوف تتعلم الهدوء، والتفكير في إبعاد الابن عن هذه العادة السلبية. سوف تتعلم أولاً كيف تبدع في إبعاد ابنك عن تمزيق الجرائد والكتب، مثلاً.. وتتعلم كذلك كيف تتجنّب السقوطَ ضحية انفعالاتك الداخلية.
إيحاء إيجابي مساعد:
1- توجه لابنك وعبر له عن محبتك، سواء بإخباره: أنا أحبك… أو بضمه أو تقبيله.
2- تذكر وردّد: المشاكل يمكن حلّها.. السلوكيات المزعجة يمكن تعديلها وإصلاحها.
3- ردد في المقابل: الغضب يؤدي إلى الانفجار.
4- الانفجار خطير!
5- علي أن أختار: هل أوجه سلوكي للبناء أم للهدم؟
كيف تجابه المشكلة لا أبناءك
كيف تجعل طاقة الانفعال والاهتمام تبنيكم لا تدمّركم
(التركيز على المشكلة) أهم خطوة في إستراتيجية (البرمجة الإيجابية للمربي الإيجابي). تحدثنا عن (قوة التغيير) المنطلق الأساسي في هذه الرحلة، وكيف يتم الاستعداد لها نفسياً وفكرياً وعملياً. وفي الوقفات التالية نتحدث عن قانون التركيز على المشكلة كيف يصبح سلوكاً اعتيادياً. وكيف نتخلص من الأساليب التي تحول بين المربي واكتساب هذه المهارة.
خمسة عشر أسلوباً سلبياً في التعامل مع السلوكيات المزعجة
هناك أساليب سلبية تبعد المربي عن التركيز على المشكلة وإيجاد حلول لها، وتجعل التوجه لشخص الطفل سيد الموقف.
1- الصراخ:
الصراخ يلغي لغة التواصل والتفاهم بين طرفي المعادلة. فالابن يدخل في حالة من الدفاع عن النفس والخوف من الصوت المرتفع، ويركز اهتمامه على الطرق التي تحميه من ردود أفعال غير منتظرة، ولا يبدي أي اهتمام بسلوكه الذي أثار هذا الصراخ، وتسبب فيه.
كما إن الصراخ يعد أسوأ طرق التعامل مع الطفل، وآثاره السلبية أكثر من آثار الضرب وغيره من الأساليب العقابية الأخرى. هذا بالإضافة إلى كون الصراخ يحدث ما يسمى بـ (الرابط السلبي) لدى الطفل؛ والذي يدوم مع الطفل طيلة حياته، ومهما كبر فإن أي رفع للصوت أمامه يعيد لديه تلك المشاعر السلبية التي استشعرها وهو طفل صغير ضعيف.
2- التأنيب واللوم:
كثرة التأنيب واللوم توغر القلوب، وتفكّك العلاقات والروابط، وتقتل المشاعر الإيجابية بين الطرفين.
3- الأوامر الكيفية:
كثرة الأوامر المزاجيّة دون عملية إقناع ترافقها تحوّل الابن إلى آلة لتنفيذ الأوامر، وتلغي شخصيته وتضعفها وتجعل منه شخصاً انقيادياً مستسلماً لا كيان له.
4- التهديدات:
كثرة التهديد بكل أنواعه: (المباشر وغير المباشر، اللطيف والعنيف…) لا تساعد في حل المشكلة، أو إبعاد الابن الصغير عن السلوك المزعج. وإن بدا لنا أنه يترك هذا السلوك ويتخلى عنه؛ فإن هذا يتم بشكل مؤقت، وبدافع الخوف من التهديد لا من خلال قناعات ومعتقدات ودوافع داخلية.
5- السخرية:
السخرية من السلوك المرفوض تسحب الثقة من الطفل، وتقنعه بعدم قدرته على التخلي عن سلوكياته المزعجة. إضافة إلى أنّ السخرية تحطم المعنويات، وتضعف كيان الطفل، وعادة ما تدخله في عالم منطوٍ على ذاته بعيداً عن التفاعل مع محيطه بشكل إيجابي ومستقل.
6- الشتم:
شتم الطفل ووصفه بنعوت سلبية يثبت هذه الأوصاف، ويقنع الطفل بها إضافة إلى أن الشتم يعلّم الابن البذاءة، وسوء الخلق، ويجعله ضحية آفات لسانه.
7- المقارنة:
لا تقارن طفلاً بغيره أبداً. فالمقارنة – أصلاً – لا تجوز بين شخصين وهي غير منطقية. إذ المقارنة تتم عادة بين سلوكين أو موقفين لا بين شخصين. فالمقارنة بين طفل وغيره أسلوب ينزع ثقة الطفل بنفسه وقدراته، ويقنعه بفشله وعدم قدرته أن يكون مثل غيره.
8- المبالغة في الوعظ:
النفس البشرية ترفض المبالغة في الوعظ، وتسأم. ولذلك كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتخوّل أصحابه رضي الله عنهم بالموعظة مخافة السآمة. والطفل يرفض أن يتلقى باستمرار وعظاً مبالغاً فيه ومباشراً.
9- سوء الظن بالطفل:
تفسير السلوك دائماً بشكل سلبيّ يعد من سوء الظن بالطفل ويؤكد عدم الثقة فيه وفي أخلاقه وقيمه. وهذا يؤدي إلى انعدام الثقة بين الابن ووالده. وإذا اندثرت هذه الثقة أغلقت أبواب التواصل بينهما، ذلك أن أية علاقة متينة لا يمكنها أن تقوم إلا على ثقة متبادلة.
10- الاتهام:
حين تضع ابنك في قفص الاتهام فأنت تقوم بدور القاضي الذي يصدر الأحكام، والمحقق الذي يصدر الاتهامات بدل أن تقوم بدورك بوصفك مربياً ومصلحاً. والاتهام يكون مبثوثاً في أسئلتك. ففرق شاسع بين أن تسأل ابنك لماذا تأخر؟ من باب الاطمئنان عليه والحرص على سلامته، وبين وأن تسأله لماذا تأخر؟ من باب الاتهام وسوء الظن فيه. فالدافع الأول يقرّبكما ويجعل ابنك يتواصل معك، ويفتح قلبه وحديثه معك، والثاني يجعله ينغلق وقد يدفعه للتهرب والكذب.
11- العقاب:
العقاب بشتى أساليبه لا يجعلك تركز على الحلول بقدر ما يكون – بالنسبة لك – إشفاءً للغليل، أو إفرازاً للتوتر. والطفل الخاضع للعقاب قد يستجيب لك، ولكن بشكل مؤقت، أو إنّه يتعلم الازدواجية السلوكية فأمامك يتصرف بسلوك، وفي غيابك ينهج سلوكاً مخالفاً.
12- التجريم:
وهو من الأساليب السلبية التي تجعل كلَّ شيء أسود في عين الأب، ويجعل كل سلوك يصدر من الابن جرماً.
13- المنّ:
كثرة المنّ على الطفل، وتذكيره بأعمالك وتعبك، يجعله في موقف ضعف وتأنيب عادة ما ينتهي بمحاولاته التخلص من ذلك المنّ المستمر، وقد يلجأ الطفل حينئذ للسرقة لتوفير حاجياته أو الهروب من المنزل لاحقاً. والمنّ يتم بأشكال متعددة منها: بعد كل ما عملته من أجلك تفعل هذا؟!… أو: أنا أشتغل وأتعب من أجلك…
14- الانتقاد المستمر:
كل شيء لا يعجب الأب، وكل سلوك من الطفل لا بد وأن يجد له الأب ثغرات ينتقدها. وهذا الانتقاد يجعل الابن زاهداً في العمل والإنجاز، مفضلاً الاستكانة والعزلة.
15- التحذير المتواصل:
قد يؤدي التحذير من الأشياء غير المقبولة – أحياناً – والتي لا تصدر – أصلاً – من طفل إلى فتح ملفات التحذيرات في ذهنه وتفكيره. فالحديث مثلاً مع الابن بأسلوب التحذير «لا تدخن! إياك والتدخين…» تنشئ ملفاً عن التدخين في ذهنه، يمكنه أن يفتحه في أية لحظة ضعف أو سوء تفاهم بين الوالد وابنه… ليجعل من لجوئه للتدخين ردة فعل أو تحدياً أو ميلاً للمعاكسة. ولذلك ينبغي التركيز على ما تريده من ابنك، بدل التركيز على ما لا تريد.
تذكر:
من قوانين النجاح: قانون التعبير (برايان تراسي):
عزيزي القارئ:
______________________
المصدر : مجلة عالم الإبداع .