الأثنين 07 أكتوبر 2024 / 04-ربيع الثاني-1446

دراسات أسريّة: الوقاية العائلية من الوسائل الإعلامية .



الوقاية العائلية من الوسائل الإعلامية .

د. عبد الله بن عبد الرحمن السبيعي .

لدى آباء اليوم الكثير من المهام التي تستحوذ على وقتهم، التنظيف، الطبخ، العمل، الغسيل، …. الخ . هناك دور آخر يستعطي الانتباه في كثير من المنازل، حماية العائلة ممن تأثير الإعلام السلبي ، ما الذي يحتاجه كل من الأم والأب للقيام بهذا الدور؟

– العزم على استغلال الوقت لفلترة ما يرد للمنزل عبر وسائل الإعلام المتعددة

– فهم وإدراك القيم والعادات التي يريدان غرسها في أبنائهما.

– الرغبة الملحة بحماية القلوب والعقول الصغيرة من الصور والأصوات التي تهدد هذه القيم.

هذه المهمة قد تبدو مهلكة ومرهقة للوهلة الأولى إلا أننا حين نتفكر في النتائج التي سنصل إليها بإذن الله تعالى فإن هذه الصعوبات لا تلبث أن تزول خصوصاً إذا ما نظرنا للجانب المشرق من المسألة وهو الاستمتاع المتواصل مع الأسرة وتوطيد علاقتنا بأبنائنا.

فاتساع البهجة الذي تضفيه وسائل الإعلام يربك عمل العقل ويعوقه من أداء مهامه على الوجه الأفضل بل ربما قاده إلى التخبط والإبحار نحو عمق المحيط عوضاً عن الاتجاه للمرسى…

أغلب أبنائنا إن لم يكونوا جميعهم يشاهدون التلفاز لوحدهم بعيداً عن مرافقة الآباء لهم، وقد يشاهدونها بغرفهم الخاصة، بل وصل الحد لمشاهدة البعض منهم للتلفاز في السيارة واضعاً سماعات الرأس ليستمر في خصوصيته حتى في تواجده مع أهله.

وفي بعض أجزاء بلادنا يذهب الأولاد والبنات إلى دور العرض مع رفاقهم، ونحن نكتفي بعلمنا أنهم هناك ولكن هل سألنا أنفسنا:ماذا يشاهدون هناك يا ترى !!!!

 

بالنسبة لنا كأمة مسلمة نحمل أمانة في أعناقنا تجاه هذا الجيل، فإن عدم العلم بما يراه ويسمعه أبناءنا عبر وسائل الإعلام المتنوعة والمفتوحة أمر لا خيار فيه.

سياسة المنع والرفض لم تكن مجدية ويجب التخلي عنها حالاً فمن الأخطاء التي نرتكبها في حق أنفسنا وفي حق أولادنا أننا لا نتعلم أبداً من أخطائنا السابقة ونظل نكررها، ولأننا نعلم أن أمراً ما قد نجح فيما مضى نعيد فعله ونكرره مراراً طمعاً في أن ينجح في كل مرة، ولا نعلم أننا نعيد الوقوع مجدداً ضمن نفس قطر الدائرة التي وقعنا بها سابقاً.

إننا بحاجة لزرع الرقابة الداخلية فيهم وجعلهم هم من يقررون ماذا يرون ومتى وكيف ومع من يرونه، ومتى يتوقفون عن المشاهدة أو يرفضونها.

إن هذا الأمر يمكن الوصول إليه من خلال متابعة مشوار التربية معهم منذ نعومة أظفارهم وتعريفهم بالحلال والحرام تعريفاً جيداً والحرص على تنبيههم للمخالفات التي قد يرونها في وسائل الإعلام، ومشاهدتها معهم، وتحديد أوقات لذلك ومن ثم مراجعة ما يشاهدونه معهم وسؤالهم عنه وطلب تعليقهم عليه وكذلك جعلهم يسجلون ملاحظاتهم أيضاً ومن ثم يعطوننا رأيهم فيه، ولنقل له مثلاً:

لتكن أنت أنا وأنا أنت، فهل ستسمح لي أن أشاهد هذا البرنامج إن كنت أنا ابنك وأنت والدي؟

الآن تعالوا معي في هذا البرنامج الجديد الذي من خلاله سنرى كيف يمكننا أن نخلق حارساً أمنياً لبيوتنا من الغزو الإعلامي.

التلفاز:

مشاهدة التلفاز سجلت ولا تزال تسجل نمواً طردياً منذ اختراعه في أواخر العشرينات. الأطفال في عالمنا يقضون ما يتراوح بين 5 – 9 ساعات يومياً في استخدام وسائل الإعلام، حصة الأسد منها للتلفاز.

وقد أثبتت الدارسات الاجتماعية أمن المداومة على مشاهدة التلفاز من أبرز مسببات العنف والسلوكيات الغير مهذبة، الأداء الاجتماعي الفقير والمتدني، العلاقات الجنسية المبكرة، السمنة وغيرها من السلوكيات الغير حميدة وصولاً لبعض الأمراض النفسية لدى الأطفال والمراهقين والتي تستمر معهم حتى بعد البلوغ..

السؤال الذي قد يتبادر إلى الذهن الآن هو: كيف يمكن أن أتجاوب مع هذه الدراسات؟

معظم الآباء يقع في دائرة ما بين محاربة التلفاز والتخلص منه بشكل نهائي أو استئجاره كجليس دائم لأطفاله. البعض الآخر يجيد التعامل مع هذا الضيف ويبقيه في المكان المناسب، ويسمح له بالتواجد في الوقت المناسب أيضا.

جدول المشاهدة:

ضع جدولاً أسبوعياً لكل أفراد الأسرة فهذا يمنحك الفرصة لتقديم عروض وخيارات أفضل عوضاً عن قول لا دائماً للسيئة منها ولوضع ضوابط للوقت بطريقة إيجابية.

وليشارك الجميع في وضع هذا الجدول ولنحرص على مراجعته بصفة دورية وجعله يتسم ببعض المرونة.

وضع حدود مكانية لمشاهدة التلفاز:

ضع في اعتبارك النقاط التالية:

– إخراج جهاز التلفاز من غرف الأطفال،

– أغلق الجهاز أثناء الوجبات

– عدم استخدام صورة أو صوت التلفاز كخلفية للجلسات العائلية واستخدام أي من المؤثرات الصوتية الإسلامية.

شاهدوا التلفاز معاً:

تحدث عن أي مساوئ العرض الذي تشاهده وقت حدوثها، أو سجل ملاحظاتك وناقشها فيما بعد

سجل النقاط والسلوكيات الإيجابية وركز عليها.

حدد السلوكيات والألفاظ الغير مقبولة وتحدث معهم عن السلوكيات والألفاظ المثلى أو الأمثل.

احرص على الإطلاع على الجديد للتأكد مما سيراه أطفالك خلاله.

تحدث مع التلفاز:

عندما يقول أحدهم في التلفاز قولاً غير لائقاً، فأفصح عن رفضك لذلك بصوت عال وكأنك تتحدث إليه.

هذه الحركة رائعة جداً خصوصاً مع الإعلانات التجارية التي قد تعترض برنامجاً عائلياً أثناء متابعتكم له. فقولك: “هذا ليس صحيحاً” يظهر القيمة العقلية لأطفالك ويبرزها بشكل محسوس ويساعدهم لمقاومة ما يرونه ويسمعونه في التلفاز.

خطط لليالٍ عائلية أسبوعية:

أطفئ التلفاز وقم بأي نشاط مشترك مع كل أفراد الأسرة أو حدد يوماً في الأسبوع لا تشغل فيه التلفاز مطلقاً وليلتزم الجميع بهذا اليوم.

استفد من عملية التسجيل وإعادة العرض:

بعض البرامج رائعة ولكن يتخللها بعض المشاهد التي لا نرغب في أن يراها أطفالنا أو ربما قد يكون توقيتها غير متلائماً مع جدول الأطفال اليومي، فتسجيل هذه البرامج ومن ثم إزالة المشاهد الغير لائقة منها وإعادة عرضها على الأطفال يساهم في زرع الفائدة لهم ويلغي سلطة المحطات الفضائية ويجعلك أنت المسيطر على الوضع.

كن قدوة حسنة:

– لا تستأثر بجهاز تبديل القنوات في حضرة أولادك بل أشركهم في عملية الاختيار

– راقب سلوكياتك جيداً واحرص أن تكون مطاقة لما تحرص على تعليمه وتوصيله لأطفالك.

– ما تفعله أعلى صوتاً بكثير مما تقوله

الفيديو:

– بالإمكان مراجعة العروض التي تسبق طرح الأفلام للتعرف عليها وعلى محتوياتها قبل شراءها أو استئجارها.

– بعض الأفلام تكون أكثر من جيدة في محتواها العام إلا أنها تحمل بين طياتها مشاهداً أو عروضاً غير لائقة، عندما تفاجئ بمثل هذا المشهد استخدم زر التقديم السريع

– أطفالك سيشاهدون الشريط لعدة مرات وحدهم فاحرص أنك تعرف جيداً ما سيشاهدونه.

– احرص على الأشرطة التي تنتج عن طريق مؤسسات إعلامية لها دورها في رعاية الطفولة والآداب العامة

– احذر كل الحذر من أشرطة ديزني ووارنر وغيرها من الأفلام الأجنبية والمعربة ففيها سم زعاف، ولا يهون شريط شديد وتمام ففيه دعوة غير مباشرة لتعليم بذاءة الألفاظ والسلوك الغير حميد وهو نسخة عن توم وجيري، ويعلم الأطفال مبدأ أن الشرير والمشاكس ينتصر دوماً.

ألعاب الفيديو:

هذه لوحدها تحتاج إلى كتب لا مجرد مقال يكتبه عبد الله السبيعي، هذه الألعاب هي بمثابة المدرس والملقن والمدرب لكافة أنواع الجريمة والسلوكيات الغير مهذبة للأطفال، ناهيك عن تحجيمها لعقول الأطفال وحصر تفكيرهم في اللعبة واللعبة فقط.

لا تسمح لهذه العبارة: “إنها مجرد لعبة” بأن تعيقك من أداء واجبك تجاه أطفالك .

معظم ألعاب الفيديو ليست بخطورة GTA والبلاي ستيشن، ولكن كلها تسترعي الانتباه لخطورة ما تنقله لمن يلعبها من الأطفال من أفكار وسلوكيات.

كيف يمكن للآباء أن يتأكدوا من أن ألعاب أبناءهم ملائمة لهم؟

أكثرنا إن لم يكن جميعنا لا نستطيع أن نلعب بهذه الألعاب أو أغلبها؛ فما الذي يمكن أن نفعله حيال ذلك؟؟

إليكم هذه النصائح:

– تأكد منها جيداً قبل شراءها كأن تستأجرها أو تستعيرها، وإن لم تكن تجيد اللعب بها مثلي فاجلس وشاهد ابنك يلعب أدواراً منها وتفحصها جيداً وخصوصاً الخلفيات (الصور / الأصوات) وتأكد من عدم وجود ما يمكن الاعتراض عليه.

– تأكد من مناسبة اللعبة لعمر الطفل الذي يلعب بها، ستجد مكتوباً على أغلفتها حروف أجنبية:

T = مراهقين

M = بالغين

E = للجميع

– حدد أوقات اللعب، وأدرجها ضمن الجدول الأسبوعي أو الشهري للعروض المرئية الأسرية.

– راقب سلوكيات طفلك بعد كل مرة تقتني فيها لعبة جديدة ولاحظ المتغيرات التي تحصل عليه.

– ابحث عن جهاز أو لعبة يمكنك أن تستمتع باللعب بواسطتها مع أطفالك.

أطفالك يحتاجونك، يحتاجون أن تضع لهم إرشادات وضوابط تسمح لهم بتعلم الحياة بالطريقة الأمثل
والأفضل لهم، والتي لا تلغي تصورك وهدفك أو فكرهم.

همسة الختام:

عندما يتعلق الأمر بالإعلام، لا تكتف بقول أن هذه المحطة يقوم عليها أناس يتقون ربهم، بل احرص على متابعة ما تبثه بين الوقت والوقت ومناقشة أبناءه في ذلك فأنت بهذه الطريقة تنمي جوانب كثيرة لديك ولديهم.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم