الثلاثاء 08 أكتوبر 2024 / 05-ربيع الثاني-1446

دعوى المثالية .



دعوى المثالية
 
السؤال:
يقول الباحثون في بناء المجتمع من منظور إسلامي: إن المجتمع الإسلامي مجتمع مثالي، مع أن الواقع في أكثر البلدان الإسلامية عكس ذلك، فأكثرها مجتمعات بعيده عن المثالية؟
أريد تعبيراً لكي أرسله لشخص غير مسلم، مع العلم أنه لا يقتنع بالكتاب والسنة.

الجواب:


د.فيصل سعود الحليبي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فأشكرك أخي على هذا السؤال الجيد، وأشكرك كذلك على ثقتك في موقعنا،
وأرجو الله تعالى أن نكون في محل ثقتك، وأن يكتب الله لنا ولك التوفيق والسداد.

ولعلي أجعل لك جوابي على شكل نقاط حتى تكون أقرب في التصور:

– فإن الباحثين الذين تشير إليهم ويقولون: “إن المجتمع الإسلامي مجتمع مثالي” إنما يقصدون أن مبادئ الإسلام حينما تطبق في المجتمع فإنها تصل به إلى المثالية، وما ذاك إلا لما تتضمنه تعاليم الدين الحنيف من أحكام وتشريعات لم يشهد لها التاريخ مثيلاً على مر العصور في كل أحوال الناس، سواء في الرخاء والشدة، وفي السلم والحرب، وفي العبادات والمعاملات، وفي العلاقات والأخلاق، حيث اشتملت على مبادئ الرحمة والصدق والإخلاص والإتقان والعدل، والحب والإخاء، والسماحة واليسر، والتواضع والرفق.

وهذه التعاليم ونحوها وما تحتويه من معانٍ فاضلة حينما تطبق في أي مجتمع ولو كان كافرًا فإنه يصل إلى المثالية في الدنيا، وإن كانت لا تغني عنه شيئًا في الآخرة بسبب الكفر في الآخرة!! أما إذا طبقها المسلم فإنها ترقى به في أعلى الدرجات في الجنة، بل يكون مصاحبًا للنبي صلى الله عليه وسلم فيها.

والتشريعات من شأن الخالق سبحانه، وتطبيقها شأن العباد، والله سبحانه موصوف بالكمال، وما يشرعه لا ريب في كماله من دون نقص، أما البشر فمن شأنهم التقصير والخط؛ ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: “كل ابن آدم خطاء وخير الخطاءين التوابون”، والمجتمع الإسلامي هو مجموعة من البشر المسلمين الذين يعتريهم الخطأ والتقصير.
من هنا تتفاوت العصور في الحصول على هذه المثالية، فكان الفائز بها أولاً المجتمع النبوي، الذي عاش النبي صلى الله عليه وسلم بين ظهرانيهم، لأنهم خيرة الله في خلقه، وعلى أيديهم انطلقت الرسالة.

ثم نال المثالية بالدرجة الثانية من بعدهم، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: “خير القرون قرني ثم الذين يلونهم..” الحديث.

والمثالية -حتى في المجتمع النبوي- لا تعني عدم وجود الأخطاء البشرية، ولذا شرع الإسلام -ليحصل المجتمع على هذه الدرجة الرفيعة من الجودة- عددًا من أنواع التأديب المتدرجة في تأثيرها على المخطئين، بغية الأخذ بأيديهم نحو الصلاح والتقدم بأنفسهم ومجتمعهم.

والتفاوت في تطبيق (مثالية الإسلام) اليوم ظاهر من بلد لآخر، حسب ظروف كل قطر وإقليم، وحسب توجه الحكومات وما تفرضه من أنظمة… ربما كانت داعمة لأحكام الإسلام ورافعة لرايته وتبذل وسعها لتحكيم شرعه، فيعود ذلك على الشعب بالإعانة لهم على ذلك،

فيسعدون ويسعد كل المجتمع، وربما كانت الحكومات ممن أغراها زيف العلمانية أو غيرها من الأفكار المنحرفة، فيرجع ذلك على بعض أفراد الشعب بالتأثر بها، والله المستعان.
وتظل المثالية قمة ينشدها المصلحون، ويبذلون من أجلها الغالي والنفيس، وهم مع ذلك مجتهدون يأجرون على ذلك، ويتعبدهم الله تعالى بذلك حتى تقوم الساعة.

نسأل الله تعالى ممن يعملون لله تعالى، ويخلصون في أعمالهم، ويوفقهم لكل خير، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم