الأربعاء 11 ديسمبر 2024 / 10-جمادى الآخرة-1446

سعادتي وسعادة أبنائي: توازٍ أم تقاطع ؟



سعادتي وسعادة أبنائي : توازٍ أم تقاطع ؟

د. دعاء أحمد راجح .

بعد عناء يوم طويل من العمل أعود إلى البيت لأجد كما آخر من الأعمال والتي أعتبرها أولي أولوياتي فبيتي وأسرتي هو مسؤوليتي الأولى كامرأة مسلمة ….وهي من أوائل المهمات التي سأحاسب عليها يوم القيامة فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته والمرأة راعية ومسئولة عن رعيتها

وتمر الأيام وبالرغم من شعوري الشديد بالإرهاق إلا أني كنت أشعر بسعادة غامرة …فيومي ليس فيه وقت للفراغ ما بين عملي وزوجي وأبنائي وبيتي

وفي أحد الأيام …. دخل علي ابني الكبير البالغ الثالثة عشر من العمر وأنا اجلس أمام الكومبيوتر انهي بعض الأعمال الخاصة بعملي

وبعد السلام فاجئني بسؤال : إلى متى ستستمرين في هذا العمل يا أمي ؟

فوجئت بالسؤال ..وبدت علي وجهه مشاعر شديدة السلبية لم أتفهمها مزيج من الغضب والحزن والإحباط

التفت إليه لأتبين الأمر ….ففوجئت بعاصفة من الاتهامات
لماذا خرجت للعمل ؟
تشعرين بالسعادة في عملك الجديد أكثر من سعادتك معنا
نحن نفتقدك …نعم نحن نفتقدك …نريدك أن تشاركينا ضحكنا ولهونا ….نريدك أن تشاركينا استذكارنا لدروسنا …نريدك أن تعدي لنا بأيديك الطعام ……نريدك أن تدخلي كل واحد منا حجرته وتطبعي علي جبينه قبلة وتحكي له حدوتة قبل النوم ….نريدك أن تودعينا صباحا بحب …نريدك في استقبالنا عند عودتنا …نريدك أن تمنحينا الثقة والحب بنظرات الرضا في عينيك ولمسات الحنان من يديك

إنكم – أيها الآباء – تخرجون للعمل …وتنهكون أنفسكم ليل نهار ….وتدعون أنكم تفعلون ذلك من اجل أبنائكم …ومن اجل توفير حياة كريمة ومستقبل مشرق ….ولكنكم كاذبون ….كاذبون

تخرجون للعمل من اجل أنفسكم ….من اجل إثبات ذاتكم وتحقيق نجاحكم ….ثم تقولون من أجل أبنائي

نحن لا نريد نقودا …..نريدكم أنتم ….نريد أحضانكم ….نريد حبكم وحنانكم ….نريد حديثكم ولعبكم ….ولكنكم للأسف لا تريدون ذلك ولا تجدون السعادة معنا

أمي : تبذلين مجهودا كبيرا لتعويض غيابك ….ولكنك لست معنا …نريدك أن تعودي إلينا كما كنت

انهالت علي كلماته ولم أتمالك نفسي وخرجت دموعي رغما عني

كان في اعتقادي أني أؤدي مهامي علي الوجه الأكمل …كنت أبذل من جهدي ومن وقتي ومن ساعات نومي وراحتي حتى لا أشعر زوجي وأبنائي بأي تقصير أو أي تغيير نتيجة عملي الجديد

كنت أشعر بالسعادة لأن عملي الجديد زادني قربا لربي وتوكلا عليه وذكرا له ورزقني في العمل صحبة صالحة كانت نعم العون لي في عودة قلبي الذي كان في سبات عميق لفترة ليست بالقصيرة

وشعرت بانعكاس هذه الحالة المطمئنة علي علاقتي بزوجي التي شعرت أنها أصبحت أكثر مودة وأكثر رحمة

وانعكس على أبنائي فقد أصبحوا أكثر اعتمادا على أنفسهم وأكثر تحملا للمسؤولية وخاصة في أوقات غيابي

وانعكس على شعوري الذاتي بالرضا عن نفسي بأن أصبح لي دور فعال في مجتمعي …..أصبحت لي أهداف شخصية أسعى إليها ……وأشعر بالسعادة والتحدي من أجل الوصول إليها

نعم أبنائي ، أنا لا اخرج للعمل من أجلكم …بل من أجل نفسي …..لأن هذا يمنحني سعادة .
ولكن
أليس لي الحق في تحقيق هذه السعادة ….وتحقيق النجاح ….أليس من حقي أن يكون لي أهدافي الشخصية التي أسعى إليها وأسعد بتحقيقها ؟

هل الزوجية أو الأمومة تملك ؟….هل المفروض علي الأم والزوجة أن تنكر ذاتها حتى تتلاشي وتذوب في زوجها وأبنائها ؟

هل ما حدث فعلا تقصير مني جاهدت بشدة حتى لا يحدث ؟ فانا افعل كل ما قاله ابني ولكن ليس بالذهن الصافي أو قوة العاطفة التي كانت

أم أن السنوات التي قضيتها كربة منزل وانقطعت فيها عن العمل لكونهم صغارا جعلت أبنائي متواكلين معتمدين علي إلى درجة كبيرة معتادين على وجودي المستمر معهم وأن هذه مرحلة وسيعتادون الأمر ؟

هل أضحي بسعادتي من اجل سعادة أبنائي ؟…..مع ما يتبعه من تكريس لمشاعر الأنانية والتواكل لديهم .

أم استمر في عملي ……وأحاول إفهامهم أنهم لابد أن يقدموا بعض التنازلات من أجل سعادة أمهم …. وأن يكونوا أكثر اعتمادا على أنفسهم وأكثر تحملا للمسؤولية …. وألا يطلقوا علي النار لأنني لا أمنحهم كل ما يريدون في كل وقت يشاءون …
أسئلة كثيرة دارت في ذهني ولا تزال تؤرقني
ولكن ما اعترفت به لولدي وكنت صادقة فيه مع نفسي (نعم ولدي أنا أعمل من أجل نفسي )

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم