فما من شكٍ في أن جمال المظهر وحُسن الهيئة مما تدعوا إليه شريعتنا السمحة ، وتحثُ عليه تربيتنا العظيمة التي تميزت بعنايتها الكاملة بمختلف جوانب النفس البشرية من روحٍ وجسمٍ وعقل دونما إفراطٍ أو تفريطٍ ، إلا أن هناك كثيراً من المظاهر الغريبة التي نراها بكل أسفٍ في مجتمعنا ، ولاسيما بين فئة الشباب من الذكور والإناث الذين يرتدون ملابس غريبة ، ويتزيون بأزياء مُضحكة ،
فحقيقة الأمر تنبئ أن انتشار مثل هذه المظاهر بين فئةٍ من أبناء المجتمع إنما هو دليلٌ على انحراف المفاهيم ، وفساد الأذواق ، وانتكاس القيم ، وقلة الأدب ، وفقدان الحياء .
كما أن انتشار مثل هذه الظواهر الاجتماعية الساذجة يتنافى بالكلية مع هوية الإنسان المسلم ، ولا يتفق أبداً مع المجتمع المسلم الذي يُفترض في أفراده أن يحرصوا كل الحرص على تميزه القيمي والأخلاقي ، وخصوصيته المظهرية والشكلية التي تزيده جمالاً وحُسناً وأصالةً .
أما لماذا تنتشر مثل هذه الظواهر والتقليعات الغريبة بين بعض أفراد فئة الشباب بشكلٍ لافتٍ للنظر ؛ فمرد ذلك لأن أفراد هذه الفئة من الشباب البُسطاء ،الذين لم يكتمل نضجهم العُمري ولا الفكري ، فهم يحبون التقليد ، ويبحثون عن التميز ، ولم يجدوه ( لسفاهتهم ) إلا في تقليد الآخرين ممن يُسميهم الإعلام الهابط نجوماً ، فهم يقومون بتقليد ما يرونه في وسائل الإعلام المختلفة ليلفتوا الأنظار إليهم ، وهذا ( بلا شك ) عجزٌ واضح في قدراتهم ، وقصورٌ ملحوظ في تفكيرهم ، وخللٌ بيِّنٌ في تربيتهم .
يُضاف إلى ذلك أن كثيراً من هؤلاء المُقلدين السُذج يظنون أن ما يقومون به من تصرفاتٍ رعناء وسلوكياتٍ مرفوضة إنما هي من علامات التقدم والرقي والتطور الحضاري ، وهم لا يعلمون أن ذلك كله تبعيةٌ مقيتةٌ ، وانسلاخٌ وانهزامية لا يُقدم عليها إلا محدودي الفكر وضائعي الهوية .
كما أن هناك سبباً رئيساً في انتشار هذه الظاهرة وما شابهها ، ويتمثل في وجود مساحةٍ واسعةٍ من الحرية ( غير المنضبطة ) عند أفراد هذه الفئة من الذكور أو الإناث ، فلا عناية ولا اهتمام بهم من الأُسرة ، ولا متابعة لهم من الآباء والأُمهات ، ولا توجيه ولا إرشاد يجدونه من المدارس وغيرها من المؤسسات المجتمعية الأخرى ، ولا رقابة اجتماعية تحد من انتشار هذه المهازل التي تُضحك و تُُبكي في الوقت نفسه ، ولا توعية لهم من مخاطر الانزلاق والانجراف في مثل هذه التيارات الوافدة التي ابتُلي بها مجتمعنا في عصر الانفتاح العالمي اقتصادياً وإعلامياً وفكرياً ؛ فكانت النتيجة هذه المظاهر الساذجة الرعناء التي ينطبق عليها قول القائل : شر البلية ما يُضحك .
– فيا أهل العقول الراشدة ، ويا أصحاب الأذواق السليمة ؛ أين دور الآباء والأُمهات ، والمعلمين والمُعلمات ، والموجهين والموجهات ، والناصحين والناصحات في التنبه لخطر هذه الظاهرة ؟
– وأين دورهم في العمل الجاد الدؤوب للوقاية منها ، وحماية أبناء المجتمع من مخاطرها ؟
– وأين دور الخُطباء والوعاظ والدعاة والأئمة الذين يقع عليهم جزءٌ كبيرٌ من المسؤولية في التوعية بخطرها والحذر من التساهل في شأنها ؟
– وأين دور رجال الأعمال والتُجار والجهات المعنية والرقابية والجُمركية في الأسواق والمحلات التجارية ؟
– ولماذا لا يمنع استيراد وتوفير تلك النوعيات من السلع التي تُغري السُفهاء من شبابنا باقتنائها والوقوع من خلالها في خطأ التقليد الأعمى بكل سهولةٍ ويسر ؟
إنها قضيةٌ خطيرةٌ ، وواقعٌ مؤلمٌ نعيش بداياته المؤسفة ، وعلينا جميعاً أن نعي تماماً أن مُعظم النار من مُستصغر الشرر ، وأن تجاهلنا لخطورة نتائج هذه الظاهرة سيؤدي إلى ما لا يُحمد عُقباه ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
وفق الله الجميع لصالح القول والعمل ، والحمد لله رب العالمين .