الحمد الله الذي لاتتم الصالحات إلا بذكره والصلاة والسلام على من لانبي بعده
أنا رجل لدية مشكلة مزمنة ذات شقين حاولت، استشرت، جربت وكررت التجربة، لا فائدة طرقت كل الأبواب
ولم أجد حلا استغفر الله وأتوب إليه العالم بكل شكوى ووالله أني لا اشتكي إلا إليه ولكن ابن ادم ضعيف يجزع أحيانا ويضعف إيمانه نعوذ بالله من السخط وادعوه بصدق أن أكون ممن سلم بما قدر وكتب , اللهم لا تكلني إلى نفسي ولا تقطع رجائي بك واخلف لي في كل غائبة خيرا من لدنك انك ولي ذلك والقادر عليه .
الجزء الأول من المشكلة :
أنا رجل ابلغ من العمر خمسون عاما اكبر إخوتي الأربعة ولي ثلاث أخوات ووالدي على قيد الحياة ولله الحمد وجدي لوالدي مازال على قيد الحياة وله ولدان والدي وعمي ووالدي هو الأكبر له من ألأبناء أربعة وثلاثة بنات وعمي له ستة أبناء وأربع بنات .
أنا الوحيد بتوفيق من الله الذي إستطاع إكمال دراسته حتى حصلت على الماجستير في الإدارة والآن موظف برتبة عالية ولله الحمد والمنه .
أما بقية إخوتي وأبناء عمي انحرفوا جميعا وتركوا المدارس جميعهم يدخنون ويشربون الشيشة وكذا واحد منهم يتعاطى المخدرات ، منهم من تاب ومنهم من مازال مستمر جميعهم جنود في العسكرية أو موظفين بسطاء لأن مؤهلاتهم لاتتجاوز الثالث المتوسط . البنات جميعهم جامعيات وتزوجوا وأنقذهم الله من براثن هذه الأسرة إلا واحدة هي أختي الصغرى موظفة على بند الأجور ، أبناء عمي تحسن وضعهم قليلا من الأخلاقية فخمسة منهم الآن صاروا يصلون وتزوجوا إلا أنهم فقراء , إخوتي الثلاثة لا يصلون نهائيا أكبرهم الذي يليني في العمر عمره الآن ثمانية وأربعون سنه لا يعرف للمسجد بابا وعاق لوالده لا يكلمه ولا يسلم عليه منذ ثلاث سنوات اخوي الآخرين منحرفين سلوكيا احدهم متعاطي للمخدرات أعزب الى الآن عمره خمسه وثلاثون سنه , والآخر تزوج من بنت تعرف عليها في الشارع من اسره في الأصل كريمة الا انها متحرره .
جميعهم يعملون في نفس الجهة الحكومية التي اعمل بها , جميع زملائي يعرفون أن هولاء إخوتي ويجاملونهم من اجلي , في كل يوم اشفع في احدهم عند احد زملائي حتى أصبحت محرج وما زالت المشكلة قائمة والشكوى لله .
والدي وعمي مشكلة أخرى لا استطيع التخلي عن والدي الذي يقدسني كثيرا ولا استطيع تحمل نتائج تصرفاته وشكوى عمي منه رغم أن الاثنين وجهين لعملة واحده سمتهم الرئيسية الكذب يسيرون أمورهم بالكذب ويدلسون الحقائق حتى صرت لا اصدق كلام أي منهم وهذه سمة اشتهرت بها العائلة عند الناس إذا ذكرت الأسرة ذكر الكذب أصبح هناك تلازم عجيب انتقل إلى الأبناء وأصبح الذكي فيهم من يسير أموره أنيا بالكذب ويتملص من الالتزامات به ولا يهمهم انكشاف أمرهم لاحقا ,
والدي وعمي وإخوتي بل الجميع ما إن يقع تحت يده أي شئ للأخر وخصوصا المال إلا يستبيحه وكل له مبرره طبعا الخاطئ , تكلمت كثيرا حتى جف ريقي من كثرة الكلام وأصبحوا يسمون نقاشاتي معهم بالمحاضرات يستمعون لها وكأنهم خشب مسنده , تنقطع اتصالاتهم بي إلا عند ما تبرز مشكله وما أكثرها , والدي رجل سلبي جدا لا يمكن أن يتخذ قرار وأنا لا اصدق كل ما يقوله وهذ ا نتيجة تراكمية لتبريراته لي في كثير من التصرفات الخاطئة التي اكتشف لاحقا انه كان يكذب عليه وبما انه والدي احاول تجنب اشعاره بأنني اكتشفت كذبه المح له احيانا ولكن دون فائدة رغم انه يصلي.
كل هذه السلبيات انعكست على سمعت العائلة وعلى بناتهم المتزوجات وعلاقتهم بأزواجهم واحتقار أزواجهم لأخوتهم ومقاطعتهم لهم فقد أصبح انسابي لا يقيمون لوالدي وإخوتي أي وزن وهم محقون في ذلك ومع ذلك فهم يستثنونني بعلاقة خاصة من بين أسرتي وأحس أنهم يحترمونني إلا إن نظرتهم لأسرتي أرهقتني جدا وسببت لي توتر يلازمني بشكل دائم حتى أنني أصبحت منطوي , اكره الإجازة والذهاب إلى أسرتي وخصوصا أنني اخترت الإقامة في مدينة بعيدة عنهم .
اما من الناحية المالية فقد أرهقوني ماليا وكثرت طلباتهم فوالدي منذ تخرجي حملني كل ديونه وأصبح الناس يطلبوني ويلجئون لي في طلب حقوقهم واستعنت بالله وقضيت الدين ولكن بين الفينة والأخرى يبرز لي ارتباط جديد ولله المشتكى.
أما أخي الذي يليني فقد سجن بسبب ديون ترتبت عليه مع بعض أصدقاء السؤ حاولت أن أعاقبه وادعه في السجن إلا أن الناس اخذوا بالضغط علية حتى أن بعضهم تجاوزني واعتبر أنني لا خير في مما اضطرني تحت وطأت العرف الاجتماعي ان اسعى في سداد دينه وإخراجه من السجن وساعدني في ذلك أحد الآقارب الذي يعلم بمعاناتي ويعلم بما خفي من أمر هذه الأسرة وهو زوج احد أخواتي وابن خالي ومع ذلك يناصبونه العداء , وما خفي كان أعظم سوء خلق ونكران جميل وعصيان لله وعقوق والدين أمور مجتمعه اسأل الله العافية .
كان ما تم ذكره هو الجزء الأول من المشكلة أما الجزء الثاني يعود لي أنا شخصيا
فأنا كما ذكرت موظف برتبه كبيره وراتب ممتاز جدا يصل إلى الثلاثين ألف ريال شهريا غير الامتيازات الوظيفية الأخرى .
أصلي ولله الحمد ولا ازكي نفسي هناك تقصير نسأل الله التوبة والمغفرة .
حريص على رضاء والدية قدر ما استطيع
أحب الدين والمتدينين وارتاح لمجالستهم وكثير من أصدقائي متدينين وأحب مرافقتهم وان كان لا يظهر ذلك عليه ذو سمعة ممتازة في عملي ومجتمعي ولله الحمد.
مثالي جدا وحساس مما سبب لي توتر كبير بشكل دائم في ظل هذه الظروف
أولادي ولله الحمد منضبطين محافظين على صلاتهم ومتفوقين في دراستهم احدهم في كلية الهندسة والثاني في كلية العلوم الآدارية أنظمة والبنات كذلك ولله الحمد رزقني الله زوجه صالحة ودودة لا يهناء لها بال إذا رأتني حزين أو متوتر وتذكرني دائما بالله وكان لها الفضل بعد الله في تهدئتي وتهوين بعض الأمور والمشاكل التي تواجهني
اسكن بيت مستأجر فقد بنيت منزل ولكني بسبب الديون بعته وهنا لب المشكلة رغم راتبي الكبير إلا أنني مديون وعليه التزامات كبيره وأقساط وأشعر ان راتبي ليس فيه بركه .
رغم انني وصلت به والديه ورحمي وشاركت بما استطيع في بعض الأعمال الخيرية وقدمت معونات لأقاربي المتزوجين والفضل والمنة لله إلا انه لا يوجد به بركة حاولت في أعمال تجاريه خسرت وآخرها الأسهم وتكبدت خسائر فادحه لازمني عدم التوفيق في كل أعمالي التجارية ، قد يقول البعض ان هناك سؤ اداره لمواردي وقد يكون ذلك صحيح.
الا انني في الحقيقة أحس أن هناك ذنب عظيم ارتكبته هذه الأسرة نزعت بسببه البركة من المال والحال حاولت اعرف شئ عن ذلك
لم استطع رجعت لوالدي وجدي وكل ينفي رغم إحساسي بذلك دون دليل .
أزعج واسخط أحيانا واستغفر الله وألوذ بالمسجد واجلس به حتى ارتاح قليلا , حتى أنني ينتابني نوبات من البكاء أحيانا بسبب عجزي .
تعلمت كل الأدعية المأثورة وحفظتها ورددتها ولكن الأمر لله من قبل ومن بعد اسأله المغفرة وان لم يكن به سخط علي فإني لا أبالي غير أن رحمته أوسع لي أسأله الرحمة والعافية .
يتوقف تفكيري كثيرا ويضعف إيماني واعصب إلا أنني استدرك وسرعان ما أعود
الموضوع اكبر من أن اكتب كافة جوانبه إلا أن هذا ملخصة أفيدوني ماذا افعل ؟
دلوني ما هي السبل التي يجب أن اسلكها ولم افعل أثابكم الله
وخر دعونا إن الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف المرسلين
أبو مازن
اسم المستشير عبدالله بن محمد علي
___________________________________
رد المستشار الشيخ عادل بن عبد الله باريان
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فجزاك الله خيراً – أخي الكريم – على هذه الروح التي تحمل هم الدين والعمل له وإبلاغه ،
ونسأل الله عز وجل أن يجعلك من الداعين إليه على بصيرة، قال الله تعالى: ” وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ {فصلت:33}” .
ويمكن مساعدتك – أخي الفاضل الكريم – تجاه مشكلتك في المحاور التالية :
1 – عليك بالحكمة في الدعوة لأقاربك ، والمراد من الحكمة هي : ” وضع الأمور في مواضعها وفي نصابها ” ، وقد أرشد القرآن إلى هذه الوصية بقوله: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) [النحل: 125].
2 – عليك بالرفق في دعوتك – أخي الكريم – .
فالداعية لا بدّ أن يرتدي حلة الرفق حتى يوفق في انتشال الناس من أوحال الذنوب والعصيان إلى رحمة الملك الديان . فقد رأينا النبي صلى الله عليه وسلم يستعمل في بعض الحالات أسلوباً من الرفق لا يجارى، من ذلك حديث الأعرابي الذي بال في المسجد، فلما زجره بعض الصحابة بشدة قال صلى الله عليه وسلم “لا تزرموه”، أي لا تقطعوا عليه بوله وقال اتركوه حتى إذا انتهى من بوله دعاه فقال له: “إن هذه المساجد إنما بنيت للصلاة والذكر، ولا تصلح لشيء من القذر والبول”. أخرجه البخاري.
ومن ذلك حديث الشاب الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فطلب منه أن يبيح له الزنا، فدعاه صلى الله عليه وسلم فجعل يسأله: أتحب الزنا لأمك؟ فيقول: لا والله. جعلني الله فداك فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم. أتحبه لابنتك؟ فيقول لا والله جعلني الله فداك فيقول صلى الله عليه وسلم ولا الناس يحبونه لبناتهم ” رواه أحمد .
فبهذا الأسلوب اللطيف اللين تخلص هذا الشاب من الفاحشة، وأصبح الزنا هو أبغض شيء عنده .
فمنهج الرسول صلى الله عليه، في الدعوة منهج متكامل في الحكمة والرفق والقدوة الحسنة، وقد أرشده القرآن إلى أساليب الدعوة بقوله: “ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ “{النحل:125}، وقوله تعالى: “وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ” {آل عمران:159}.
3 – لا تجزع ولا تيأس من هداية الله تبارك وتعالى لقرابتك ، فالله – يا أخي الكريم – قريب ، واليأس ما هو إلا معول هدم يهدم بنيان الدعوة من أساسه . وها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيه ملك الجبال كما في الصحيحين فيقول له : ” يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ فَمَا شِئْتَ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ” فرسول الله لم ييأس من دعوة قومه ومن استجابتهم له .
4 – استخدم التنويع في الأساليب الدعوية فتارةً تكون الدعوة بالنصح المباشر ، وتارة بالشريط ، وأخرى بالكتيب النافع ، ورابعة : بقصة هادفة …وهكذا . قال تعالى عن نبيه نوح عليه الصلاة والسلام ” ُثمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً ” . وقال عنه قبل ذلك : ” قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً ” .
5 – لا عليك بالإستهزاءت التي تواجهك في سبيل دعوتك ، ولا ترعها بالك ، وليكن لك قدوة في أنبياء الله تبارك وتعالى حيثُ إنَّ معظمهم استهزىء بهم .
يقول سيد قطب – رحمه الله – في تصوير قصة نوح عليه الصلاة والسلام مع قومه :” { قال : رب إني دعوت قومي ليلاً ونهارا ، فلم يزدهم دعآئي إلا فرارا؛ وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم ، واستغشوا ثيابهم ، وأصروا ، واستكبروا استكبارا . ثم إني دعوتهم جهارا ، ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا . فقلت : استغفروا ربكم إنه كان غفارا ، يرسل السمآء عليكم مدرارا ، ويمددكم بأموال وبنين ، ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا . ما لكم لا ترجون لله وقارا؟ وقد خلقكم أطوارا؟ ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا؟ وجعل القمر فيهن نوراً وجعل الشمس سراجا؟ والله أنبتكم من الأرض نباتا ، ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا . والله جعل لكم الأرض بساطا ، لتسلكوا منها سبلاً فجاجاً } . . .
هذا ما صنع نوح وهذا ما قال؛ عاد يعرضه على ربه وهو يقدم حسابه الأخير في نهاية الأمد الطويل . وهو يصور الجهد الدائب الذي لا ينقطع : { إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً } . .
ولا يمل ولا يفتر ولا ييئس أمام الإعراض والإصرار : { فلم يزدهم دعائي إلا فراراً } . . فراراً من الداعي إلى الله . مصدر الوجود والحياة ، ومصدر النعم والآلاء ، ومصدر الهدى والنور . وهو لا يطلب أجراً على السماع ولا ضريبة عل الاهتداء! الفرار ممن يدعوهم إلى الله ليغفر لهم ويخلصهم من جريرة الإثم والمعصية والضلال!
فإذا لم يستطيعوا الفرار ، لأن الداعي واجههم مواجهة ، وتحين الفرصة ليصل إلى أسماعهم بدعوته ، كرهوا أن يصل صوته إلى أسماعهم . وكرهوا أن تقع عليه أنظارهم ، وأصروا على الضلال ، واستكبروا عن الاستجابة لصوت الحق والهدى : { وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم ، واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكباراً } . . وهي صورة لإصرار الداعية على الدعوة وتحين كل فرصة ليبلغهم إياها؛ وإصرارهم هم على الضلال تبرز من ثناياها ملامح الطفولة البشرية العنيدة . تبرز في وضع الأصابع في الآذان ، وستر الرؤوس والوجوه بالثياب . والتعبير يرسم بكلماته صورة العناد الطفولي الكامل ، وهو يقول : إنهم { جعلوا أصابعهم في آذانهم } وآذانهم لا تسع أصابعهم كاملة ، إنما هم يسدونها بأطراف الأصابع . ولكنهم يسدونها في عنف بالغ ، كأنما يحاولون أن يجعلوا أصابعهم كلها في آذانهم ضماناً لعدم تسرب الصوت إليها بتاتاً! وهي صورة غليظة للإصرار والعناد ، كما أنها صورة بدائية لأطفال البشرية الكبار!
ومع الدأب على الدعوة ، وتحين كل فرصة ، والإصرار على المواجهة . . اتبع نوح عليه السلام كل الأساليب فجهر بالدعوة تارة ، ثم زاوج بين الإعلان والإسرار تارة : { ثم إني دعوتهم جهاراً ، ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسراراً } ” انتهى . (ج 7 / ص 346) .
6 – ثم مع بذل هذه الجهود – أخي السائل الكريم – لا بدَّ أن تعلم أنَّ الهداية بيد الله تبارك وتعالى ، فقد تُوَفَّق وربما لا .. لكن مع ذلك لا بد من بذل الجهد في الدعوة وفي إيصال الخير للغير . ولو كانت الهداية بيد أحد لأهداها رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب ، فقد أنزل الله على رسول قوله تعالى : ” إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ” [القصص : 56].
وهذا يفيدك – رحمني الله وإياك – أنَّ الداعية إذا لم يستجب لدعوته فلا يتضجر ولا يسأم ؛ لأنه يُعامِل من لا تغيب عنه غائبة .
7 – بالنسبة لوالديك عليك ببرهما ، وكونهما بدرت منهما بعض الأمور لا يجوِّز لك التقصير في حقهما ، قال تعالى : ” وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً ” [الإسراء : 23] . لذلك لا تضجر من كثرة طلباتهما ولعلَّ الله يخلف لك خيراً .
8 – كون بعض أقاربك عندهم مخالفات ومعاصٍ لا يجوِّز لك هجرهم وتركهم ، بل عليك بصلتهم ..
صحيح .. قد يثقل عليك زيارتهم ، لكن تذكر أنك تعامل الله ، وأنك لا تريد إلا الله والدار الآخرة ، لذلك ينبغي لك الصبر والتحمل . وليكن شعارك ” يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلاَ تَعْقِلُونَ “[هود : 51] .
و قوله تعالى ” وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ “[هود : 29] .
9 – و أما بالنسبة لقلة البركة في راتبك حيثُ ذكرت أنَّ راتبك يصل إلى ثلاثين ألف ريال لكن لا يبقى لك منه شيء ، فهنا أوصيك بما يلي :
1 – قد يكون ما أصابك مجرد ابتلاء من الله تعالى، ليثقل به ميزان حسناتك، ويكفر عنك من سيئاتك، ويرفع به درجاتك.
2 – عليك بالرقية الشرعية ، فقد يكون أصابك شيء من الحسد أو العين ؛ حيثُ ذكرت أنك الوحيد الذي واصل تعليمه في عائلتكم . ولكن هذا لا يسوغ لك إطلاق الشكوك في فلان أو فلان .
3 – احرص على الرزق الحلال .
4 – إن كان لأحد عليك مظلمة فتخلص منها فوراً .
5 – أكثر من التصدق .
6 – ينبغي أن يُعلم أن ارتكاب الذنوب والمعاصي، وترك الواجبات سبب لمحق الرزق وقلة البركة، وأن القيام بالواجبات الشرعية، والابتعاد عن المحرمات سبب لجلب الرزق، ورخاء العيش، قال الله تعالى: (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً) [الجـن:16].
وقال تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ…) [المائدة:66].
إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن الاستقامة على شرع الله سبب للحصول على الرزق ورغد العيش، وأن المعاصي والذنوب سبب لدفع الرزق عن العبد، ومحق بركة ما يحصل عليه منه.
10 – ابدأ بالأهم فالأهم في دعوتك فقد ذكرتَ – أخي الكريم – أنَّ بعض ذويك لا يكاد يعرف الصلاة مطلقاً ، فابدأ بالأمر بالصلاة والحث على فعلها جماعة في المسجد قبل أن تعالج ظاهرة الكذب ، و معصية العقوق التي ارتكبها أخوك مع والدك ، وكذلك قبل أن تعالج مشكلة المخدرات . فلتبدأ بالأهم فالمهم .
11 – عليك أولاً وأخيراً بدعاء الله تبارك وتعالى الذي بيده ملكوت كل شيء ، وبيده سبحانه قلوب العباد فهي بين أصبعين من أصابع الرحمن ، والمسلم دائما يلتجئ إلى الله تعالى, ويكثر من الدعاء والتضرع خصوصا في الأوقات التي يظن فيها استجابة الدعاء . ومن هذه الأوقات الثلث الأخير من الليل ، فقد روى مسلم وأحمد عن جابر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه ، وذلك كل ليلة ) .
وهذه ساعة مبهمة ، ولا نعلم نصاً عن النبي صلى الله عليه وسلم يبين متى تكون هذه الساعة وعلى المسلم أن يتحراها في جميع الليل. قال النووي – رحمه الله تعالى – : ” فيه إثبات ساعة الإجابة في كل ليلة ، ويتضمن الحث على الدعاء في جميع ساعات الليل رجاء مصادفتها ” انتهى .
12 – لا تدع الدعاء بحجة أنَّك دعوت الله فلم يستجب لك ، واعلم – بارك الله فيك – أنه يستجاب للعبد ما لم يستعجل في الدعاء .
ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ ” لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الِاسْتِعْجَالُ قَالَ يَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ ” .
وأسأل الله لكِ التوفيق والسداد . وعليكِ بسلاح الدعاء والثقة بالله . فالله قريب .
( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) .
والله ولي التوفيق .