الأحد 06 أكتوبر 2024 / 03-ربيع الثاني-1446

كيف نهيئ أبنائنا في التعامل مع المواقف الصعبة.



 كيف نهيئ أبنائنا في التعامل مع المواقف الصعبة.
http://t2.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcSs2ECnx2qA_kN2QeZcBLd2NcnGLJMDGQZNRxYS74dhjciPOWb1

أحببنا أبها وأهلها عندما زرناهم ولمسنا كرمهم وحفاوتهم ، كما لمسنا طيب أصلهم ونقاوتهم ، وقد أحببتُ أن أذهب لرحلة سياحية في المنطقة ، فكنا في طريقنا إلى قرية (رجال ألمع) ، وكان أحد الأصدقاء يرافقنا في الرحلة ، فذكر لي قصته مع والده عندما قرر الابن أن يسافر خارج المملكة ؛ ليكمل دراسته الجامعية في طب الأسنان ، وكان يتردد على أهله بين فترة وأخرى ، وبعد مرور سنتين أعطاه والده ظرفاً بريدياً وقال له: لا تفتحه واتركه معك !

يقول هذا الصديق: وكنت أحتفظ بالظرف ولا أعرف ما فيه ، إلى أنْ قرّرت أن أترك دراستي الطبية من شدة ما لاقيت من معاناة مادية ومعنوية ، فقد كان أبي عسكرياً وأمي ربة بيت ، فقلت لنفسي: لماذا لا أرجع لبلدي وأدخل في السلك العسكري مثل باقي زملائي ؟ وبينما أنا جالسٌ أفكّر بهذا القرار قلتُ: لِأفتح رسالة والدي وأعرف ما فيها لأني قد عزمتُ على الرجوع.

يقول: وكانت المفاجأة أني وجدت فيها رسالة كتبها والدي يقول فيها : (يا ولدي عندما تمرُّ بصعوبات في الحياة فلا تستسلم لها ، واصبر وقاومها ، فأنت أكبر أخوانك ، فلو ضعفت فإنك ستكون قدوة لإخوانك في ضعفك ، فكن قوياً واستمرَّ في تحمّل الصعاب ) .

يقول: هزتني هذه الكلمات ، وقررت أن أستمر في دراستي ، وفعلاً تخرجت ، ورجعت وأنا دكتور يفتخر بي أهلي وأقاربي ، وقد لاحظت أنَّ إخواني قد تأثروا بي فعلاً ، وأبشرك الآن فنحن في بيتٍ فيه خمسة من إخواني دكاترة ، والباقي مازالوا في متابعة الدراسة !

إنه (الدكتور معتق الشهراني) وفقه الله تعالي ، وقد علّقتُ على قصته وهو يقولها لي بطريقنا في السيارة: إن القليل من الآباء مَنْ يُخطط ويفكر في تهيئة أبنائه للمواقف الصعبة في المستقبل ، وهذا مفهوم تربوي مهم جداً ، وقد لاحظناه في قصة السيدة أسماء (ذات النطاقين) رضي الله عنها عندما سألها جدها أبو قحافة ـ وكان حينها ما يزال مشركاً ـ: هل ترك لكم أبوكم مالاً ؟ ومع أن أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ عندما هاجر بصحبة النبي الكريم قد أخذ المال كله معه ومقداره (6000) درهم ولم يُبقِ لهم شيئاً ، إلا أنها أجابت بسرعة : نعم ، ثم أحضرت الكوة التي كانوا يضعون فيها المال ، ووضعت حَجَراً وقدمته له ليلمسه بيده ؛ ليتأكد من وجود المال حيث كان كفيفاً !

فمَنْ يستطيع أن يتصرف بذكاءٍ في مثل هذه المواقف الصعبة إلا شخصٌ قد تلقّى تربية خاصة تُشجّعه على التفكير وتُحمّسه للإبداع ، وتبني فيه الشجاعة في مواجهة المواقف الصعبة ، وتُعلّمه حسن التصرف والنباهة ،.

وما أحوجنا اليوم إلى أمثال والد الدكتور معتق حفظه الله ، وإلى تربية أبي بكر الصديق وأم رومان رضي الله عنهم، ولا أنسى أن أشكر الدكتور معتق على المعلومات التاريخية التي نفعني بها ، والقهوة والشاي بالزنجبيل الذي كان يرافقنا طوال الطريق ، وخاصة ذلك التمر المخلوط بزيت الزيتون ، ولا أنسى كذلك جلسة الفطور الغريبة والعجيبة ، وهذه لها قصة أخرى أرويها في وقت آخر ، ونقول لكل من تعرّفنا عليه بأبها مثلَ تلك الكلمة التي استقبلونا بها: (مرحباً ألف) ، ودعاء خاص للدكتور عبيد الشهراني على دعوته لنا على الغداء .

وكم في الحياة من مواقف نستلهم منها الدروس

___________________

المصدر: موقع د جاسم المطوع .

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم