ولا يقتصر هذا التردد على مرحلة ما بعد الخطبة، فنرى الكثير من الفتيات يملن إلى فسح الخطوبة بالتذرع بحجج واهية، وكثرة الطلبات غير المنطقية من الخطيب، والتي تؤدي إلى عدم تفاهم الطرفين ومن ثم الانفصال قبل أن يتم الزواج، وحقاً أن هذه الظاهرة بحاجة إلى دراسة مستفيضة والوقوف حول أسبابها ودوافعها، ولعلنا هنا نحاول التطرق إلى أسبابها المحتملة، وتقديم بعض الارشادات والنصائح التي تخفف من حدتها.
إن خوف الفتاة من الزواج يعبر في كثير من الأحيان عن الخوف من نتائج هذا الزواج، خاصة بعد الاطلاع على مشكلات الكثير من الفتيات والصديقات اللواتي تزوجن، ووحالات الطلاق المبكر بعد فترة وجيزة من الزواج، فتميل الفتاة إلى الرغبة في عدم تكرار ما حدث لصديقاتها،
لأن كلمة مطلقة ليست أمراً هيناً عليها بل تظل تجني عواقبها على مدى العمر، وتجد من الصعب عليها أن تجد زوجاً آخر بعد مرحلة الطلاق، لذلك فيعتبر الفشل في هذه التجربة الأولى هو فشل في الحياة بشكل عام ولا تريد الفتاة هذا الفشل المبكر الذي سيدمر حياتها، وبالمقابل فإننا نجد الشاب قادراً على الزواج مرة أخرى بعد الطلاق، دون أن تلاحقه وصمة العار كما هو عليه الأمر بالنسبة للفتاة، لذلك فإن ارتفاع نسبة الطلاق هو سبب رئيسي في هذا التخوف من الزواج.
عامل آخر يرجع إلى العلاقة الوطيدة والعميقة التي تبنيها الفتاة مع أبيها لدرجة أنها تتمثل شخصيته وسلوكياته، وبالمقابل تبتعد فيه عن أمها على اعتبار أنها منافستها في أبيها، هذا السلوك الذي قد يصل إلى حد الاضطراب قد يمنع الفتاة من الزواج، حيث يمثل الزواج بالنسبة لها إثارة لتعلقها بأبيها وصراعها مع والدتها.
وقد تكون عدم قدرة الفتاة على إقامة العلاقة العاطفية مع الجنس اللآخر سبباً من هذه الأسباب، فالقدرة على التعبير عن العواطف والانفعالات ضرورية لبناء الشراكة يبن الطرفين والثقة المتبادلة، فإذا كانت الفتاة غير ناضجة انفعالياً، ولا تمتلك مقومات الانخراط في علاقة عاطفية مع شريك حياتها، فإن ذلك سيشكل عائقاً أمام الاستمرار في العلاقة الزوجية،
وقد يقود البرود العاطفي في مرحلة الخطبة إلى فسخها في وقت مبكر، لأن الزواج ليس مجرد ممارسة جنسية بل هو سكن عاطفي ووجداني ومشاعرمشتركة بين الطرفين يجب أن ترقى إلى مستوى هذه العلاقة الانسانية الحساسة، فإذا لم تتلمس هذه العلاقة الحساسية الانفعالية المطلوبة فشلت في الاستمرار.
ويلعب مدى الوعي في الأمور الجنسية دوراً هاماً أيضاً، فالفتاة قد تمتلك معلومات معينة عن الزواج وعن الممارسة الجنسية حصلت عليها من مصادر غير صحيحة تجعلها تشمئز من هذه العلاقة وما يرتبط بها من حمل وأعباء أسرية، خاصة إذا صورتها لها الأخريات اللواتي فشلن في الزواج على أن الزواج عبارة عن حكم قسري، ومجرد تلبية لطلبات الزوج وشهوته.
إضافة إلى عناصر التخوف من فقدان العذرية التي قد تنتاب بعض الفتيات، نتيجة الأنشطة الرياضية التي مارستها الفتاة في مراحل مبكرة من العمر كركوب الخيل أو الدراجة، مما يجعل الفتاة تخاف من الفضيحة والإقدام على الزواج لانكشاف أمر قد يكون غير موجود في الأصل،
إضافة إلى ميل عدد قليل من الفتيات إلى الجنسية المثلية مما يمنعهن من إقامة علاقة مع الجنس الآخر، وهو سلوك مرضي بحجة إلى علاج.
ناهيك عن تعرض الفتاة في مراحل مبكرة من العمر للصدمات النفسية، كالتعرض للتحرش الجنسي والاعتداء من الآخرين، الأمر الذي يجعلها تكره مجتمع الرجال وتعمم على أنهم كلهم سيئون، وعدم قدرتها على إقامة شراكة مع أحدهم لأن الزواج يذكرها بخبراتها السابقة في مراحل مبكرة من العمر، وبالتالي فإنها لا ترغب في خوض هذه التجربة التي تذكرها بالماضي، ناهيك عن فشلها أحياناً في تجربة عاطفية أقامتها مع أحد الشبان، الأمر الذي عرضها لصدمة تستمر لسنوات، فتعرض عن الزواج خوفاً من عدم تكرار هذه التجربة التي اعتبرت نفسها ضحية لها.
إن من أم طرق علاج خوف الفتيات من الزواج هو التربية الجنسية التي ترتكز على الأخلاق الفاضلة القويمة والنابعة من روح ديننا الإسلامي، وتزويد الفتاة بالمعلومات الصحيحة عن العلاقة الزوجية والجنسية وتصحيح الصور المشوهة عن هذه العلاقة، إضافة إلى توعية الفتاة وحمايتها من الوقوع في إقامة علاقات خارج حدود الشرع، والانخراط في التجارب العاطفية، ووضع التوقعات العالية عن زوج المستقبل الذي ينبغي أن يوفر لها كل أسباب الحياة الرغيدة،
إضافة إلى توطيد الفتاة لعلاقتها مع والدتها التي تعتبر نمذجها الأعلى وقدوتها، والتي تكتسب منها دورها الاجتماعي في الحياة، دون أن يكون هناك ارتباط مبالغ فيه مع الأب قد يقود إلى صراع خفي مع الأم،
وتلعب الدورات التحضيرية للأزواج الشابة في مرحلة الخطوبة وما قبل الزواج دوراً هاماً في الإعداد للحياة الزوجية والتهيئة لها، وتحديد الأدوار والمسؤوليات المطلوبة من كل طرف، وهذا الأمر يقلل من الطلاق المبكر، والصدمات التي تحدث في المراحل الأولى من الزواج.