آليت على نفسي أن أقرأ لأطفالي متى طلبوا مني ذلك، مهما تكن مشاغلي أو متاعبي . إن للأطفال حماسة من نوع خاص للقراءة ، يبدو أنها فرع من ولعهم باكتشاف كل جديد . أما التعلٌّم فهو، ولا ريب، غريزة فطرية ورثوها من أبيهم آدم الذي علم الأسماء كلها!
في هذا و يقول الخبراء إن ولع الطفل بالكتب يبدأ حالما يكمل شهره السابع ، أي أنه يبدأ بطلب العلم من المهد كما يطلب منا الحديث الشريف . وفي ذلك الحين يبدأ الطفل بالانتباه لما يُقرأ له ، أما في شهره العاشر فإنه سيجيد عادة الإصغاء من دون فهم للكلمات ، ويظل كذلك إلى أن يكمل عامه الأول حيث يبدأ بالتقاط بعض الكلمات ، وهذه كلها علامات مشجعة ينبغي أن تقود خطى الآباء في هذا المضمار .
قراءة متدرجة .
و يضيف الخبراء أن تجاربهم قد دلت بالفعل على أن أفضل وقت لإدخال الطفل إلى عالم القراءة هو نصف الساعة التي تسبق مواعيد نومه ، فالقراءة تهديء أعصابه وتسليه وترسله هويناً إلى غيبوبة النوم ، وهنا لا بد من تخير الكتيبات الطريفة الحافلة بالصور والكلمات الايقاعية المطربة الجرس. وببلوغ الطفل ثلاثة أعوام فيمكنه أن يفهم كثيراً مما يُقرأ له، ولكن لا بد من وجود الصور ترافقها القراءة المطربة والمعبرة التي تشخص رموز القصة وتبرز دراميتها.
وما بين سن الثالثة والسادسة فيمكن أن يقرأ المرء لطفله أكثر من أربعين كتاباً من هذا النوع في العام . وما بين السادسة والتاسعة فيمكن أن يقرأ لهم ما يزيد على الأربعين كتابا ً، ولكن من مستوى أعلى قليلاً . أما ما بين التاسعة والعاشرة فيمكن أن يقرأ لهم عشرين كتاباً في العام ، ولكن من كتب تركز على الوصف أكثر مما تركز على التصوير . وهنا يلاحظ أن الطفل يمكن أن يقرأ لنفسه منفرداً.
القراءة متعةً وتسليةً:
وفي غضون كل ذلك لا بد من التركيز على جانب المتعة والتسلية والحرص على التماشي مع ميول الطفل وهواياته الأثيرة . فمثلاً إذا كان الطفل ذا تعلق خاص بالحيوانات ، فمن الأفضل أن تقرأ له قصصاً أبطالها وشخوصها من الحيوانات. وإن كان من عشاق السير والتاريخ فأحضر له كتب السِّير والبطولة ، وإن كان محباً للغرائب والألغاز ، فزوده بكتب من ذلك الطراز ، وإن كان ممن تستهويهم حقائق العلوم ومشاهدالطبيعة ، فكتب الخيال العلمي ” المُيَسَّرة” هي التي تلبي ذلك حاجة ذلك التوق و النزوع.
وإن كان من هواة الرياضة، فإن كتب الرياضة تكون أقرب إلى قلبه، وإن كان من محبي القصص المسلسلة التي يكون بطلها شخص واحد، فهذا من أجمل الخيارات، إذ ربما يدفعه إلى أن يقرأ منفرداً ، فبعد قراءة كتاب أو كتابين له ، فقد يشجعه ذلك لإكمال السلسلة منفرداً. وفي كل الأحوال فينبغي ألا نخشى من أن يدمن الطفل ذلك النوع بعينه من القراءة، فهي قراءة مرحلة سيتخلص منها لا محالة عندما يتقدم به العمر.
إن المطلوب هنا هو غرس عادة حب الاطلاع في قلب الطفل، أكثر من الاتجاه به إلى تحصيل معلومات جافة بعينها، وقد ظل عالم مرموق في هذا المجال هو البروفسور موريس فريدمان يبشر بهذا الرأي لمدى خمس عقود تعاطى فيها التدريس بجامعات ميرلاند ونيويورك ونيو ميكسيكو، و قد وصى طلابه في كليات التربية بأن يجاروا رغبات الأطفال وأن يتجنبوا الالزام والفرض ، قائلاً إن الإلزام لا يأتي بنتيجة جيدة، و قد استند البروفيسور فرديمان بالاضافة إلى خبراته الأكاديمية إلى تجربة شخصية له مع طفله الذي لم ينهمك في عالم القراءة إلا بعد أن زوَّده بمواد مسلية نالت إعجابه في النهاية.
ولتجنب إعراض الطفل وتفادي مقاومته للقراءة ، فالأفضل إقناعه بأن كتب الاطلاع العام هي أحلى وأبهى وأبهج من كتب المقررات الدراسية الجافة ، التي قصد بها التعليم لا الاستمتاع ، فكثير من الطلاب حتى في سنوات الدراسة الجامعية يعتقدون أن كل الكتب مملة مثل الكتب الدراسية تماماً!!
ويحبذ إلا يُلزم الطفل بأن يقرأ أو يسمع أكثر مما يريد ، وألا يُجبر على إكمال الكتاب في جلسة واحدة ، ويمكن ترك الكتاب مفتوحاً على المنضدة أو الرف ، وسيلاحظ الأب أو الأم أن الطفل سيحضر لاحقاً لطب المزيد.
وأما عادة طلب ملخص مكتوب عن الكتاب ، والتي يظن البعض أن فيها تدريب جيد على إجادة الكتابة، فهي من أسوأ ما ينفر الطفل عن دنيا الاطلاع ، إذ أنها تربط متعة الاطلاع ، بعمل إلزامي يشبه الأعمال الرسمية، مما يصيب الطفل بالقلق وتوتر الأعصاب ، وينغّص عليه متعة القراءة الصافية. وعوضاً عن ذلك يمكن أن يسأل الطفل بشكل عفوي وودّي عن رأيه في الكتاب، وعما عجبه فيه ، وهنا فإنه سينطلق بمرح و حبور ليقص ما أعجبه في الكتاب.
وبيئة القراءة:
ويلاحظ الخبراء أن دمج الطفل في عالم القراءة يتطلب أن يجد نفسه في بيئة قارئة ، أي في أسرة لها صلة بالثقافة والاطلاع، وقد دلت التجارب أن دور البيت في جذب الطفل إلى الاطلاع أكبر بكثير من دور المدرسة. فالمدارس قلما تعتني بثقافة الطفل العامة. ولكن بعض المعلمين الموهوبين يعطون عناية خاصة لتلك الناحية. وهنا دلت الإحصاءات على أن المدارس التي بها معلمون من ذلك النوع ، تكون نسبة استعارة الأطفال من مكتباتها أعلى بكثير من غيرها .
ولكن المدارس بشكل عام لا تشجع على الاطلاع، إذ أنها ملزمة بتنفيذ برامج دراسية كثيفة ، في فترة زمنية محددة ، كما أنه يتعذر على المعلمين أن يشرفوا على عشرات الأطفال ، ويراعوا ميولهم وأذواقهم المتباينة في شأن الاطلاع .
وهكذا فلا بد من تدخل الأسرة في الأمر، لأن دور الوالدين هو الدور الحاسم في هذا الشأن ، وفي استطلاع أجرته الرابطة القومية الأمريكية لمجلس الآباء اتضح أن 82% من الأطفال الذين لا يحبون القراءة ، لم يُحظوا بتشجيع آبائهم في البيت . وأن 75% من الآباء قالوا أن التلفاز وألعاب الفيديو عاملان يعطلان من مجهود جذب الطفل إلى حب القراءة .
وهذان عاملان لا بد من معالجة أولهما، ومكافحة الثاني . وعلاج الأول صعب ، ولكن لا أقل من تعويض أثره السلبي نوعاً ما ، ولو بمجرد شراء الكتب للطفل . وأما التلفاز وألعاب الفيديو فلا بد من وقفة حازمة لاختصار التهامهما لوقت الطفل.
ولشعور بعض المدارس بأهمية عامل الوالدين ، فقد أصبحت تعطي دروات دراسية خاصة للآباء في كل صيف ، تبصرهم بأساليب وفنيات تشجيع الأطفال للانخراط في عالم الاطلاع ، مثل المسابقات والاشتراك في أندية الكتاب والمكتبات و غير ذلك.
المصدر : موقع شبكة المشكاة الإسلامية .