الأربعاء 11 ديسمبر 2024 / 10-جمادى الآخرة-1446

مخاطر الفايسبوك .



د. نهى عدنان قاطرجي 

استوقفني الخبر الذي أعلنته الصحف عن قيام البريطاني “نيل برادي” (35 سنة) بتطليق زوجته من دون علمها ، بعد أن كتب على موقع “الفايسبوك” سطرا واحدا أعلن فيه إنهاء علاقته بزوجته “إيما.

يعتبر ” الفايسبوك” ، أكثر المواقع شهرة على شبكة الانترنت، حيث استطاع، وفي فترة زمنية قصيرة، أن يجذب أكثر من 80 مليون مستخدم من أنحاء العالم ، بينهم 125 ألف شخص من لبنان وحده ، هذا البلد الصغير الذي لا يتجاوز عدد سكانه الأربعة ملايين نسمة. والفايسبوك الذي أسسه طالب الهندسة اليهودي (مارك زوبيرك) في فبراير 2004م ، بهدف التواصل بينه وبين زملائه في الجامعة، أصبح اليوم من أكبر المواقع الالكترونية المهمة مثل “الجوجل” و”اليوتيوب” و”الياهووغيرها، التي احتاجت إلى سنين كي تكسب الشهرة التي حصل عليها هذا الموقع الجديد. بل إن البعض جعله على قائمة هذه المواقع، وأصبح مؤسسه أصغر بليونير في العالم.


يتطلب الموقع من الشخص الذي يريد الانتساب إليه إدخال بعض البيانات الشخصية، مثل الاسم الأول، واسم العائلة، والعمر، والدين، والبلد، ووسيلة الاتصال، ورقم الهاتف، وعنوان البريد الإلكتروني، كما يتيح الموقع للمستخدم عرض صوره الشخصية وصور أصدقائه أمام جمهور الموقع.

إن انتشار “الفايسبوك” في جميع أنحاء العالم لم يعد مقتصرا على طلاب الجامعات، بل إن المشتركين فيه متنوعو الثقافات والأعمار، حتى أصبح اليوم ساحة مهمة لرجال الفكر والفن والسياسة والإعلام . فإضافة إلى لقاء الأصدقاء القدامى والجدد، يتيح الموقع لزواره الفرصة لتكوين مجموعات متجانسة تعبر عن ميولها ومواقفها الفكرية بحرية تامة. ولعل ابرز هذه المجموعات في لبنان اليوم هي المجموعات المؤيدة لاتجاه سياسي معين والتي نقلت المعركة السياسية من أرض الواقع إلى فضاء الانترنت .

لقد كان لسرعة انتشار هذا الموقع وكثرة استعمالاته، أثره في تباين المواقف منه، فانقسم الناس حياله إلى قسمين:

القسم الأول مؤيد له لكونه يسمح للناس بالتعبير عن آرائهم ومعتقداتهم من خلال المجموعات التي ينضمون إليها، وخاصة إذا كانت هذه المعتقدات والآراء مما يحذر البوح بها. ولكونه أيضا ساحة مهمة للتعارف تزيد من ترابط الناس فيما بينهم، فتسمح لهم بتجديد لقاءات قديمة، كما تفتح لهم الباب أمام تكوين صداقات جديدة مع أشخاص من جميع أنحاء العالم.


الحقيقة أن هذا الأمر مبالغ فيه بعض الشيء، خاصة أن تجميع الأصدقاء اتخذ عند البعض منحى تنافسياً وصل عند أحدهم حداً جعله يضيف 5000 آلاف صديق إلى لائحة أصدقائه. فمثل هذا العدد الهائل لا يعتبر بحال من الأحوال رقما واقعيا . بل يصح أن يطلق على هذا النوع من الصداقة لقب ” صداقة فايسبوكية” . وهي تتميز عن غيرها بأن كثير من أعضائها أشخاص خياليون، يقصد من وراء وجودهم إشباع رغبات اجتماعية أصبحت مفقودة في عالم أصبحت الآلة فيه هي الصديقة الوحيدة للإنسان .


أما القسم الثاني فهو الرافض للانضمام لهذا الموقع الخطر على حد تعبيره لكونه يساهم في نشر المعلومات الشخصية عن الشعوب ويقدم لأجهزة الاستخبارات المحلية والعالمية معلومات مهمة عن أفكار وعادات واهتمام الناس . وهذا الخطر هو ما حذر منه د. جمال مختار ، مؤلف كتاب ” الفيس بوك عدو أم صديقالذي بيّن فيه أن ما يغفل عنه البعض هو تلك البنود التي ينبغي على المشتركين الموافقة عليها ومنها، عدم إمكانية إلغاء المعلومات الشخصية التي يكتبها المشترك عن نفسه، أو إلغاء الصور التي يكون قد وضعها. إضافة إلى حرية استخدام هذه الصور والمعلومات والإضافة عليها من أية جهة أخرى غير الشخص نفسه.


إن الجهات التي يمكن أن تستفيد من معلومات الموقع عديدة ، ومنها:

الشركات التجارية التي تهتم بتحليل المعلومات الواردة من أجل معرفة ميول ورغبات الناس واستخدامها لأغراض تسويقية .
الجهات الاستخباراتية التي تعمل من خلال هذا الموقع على صعيدين: الأول توظيفي بهدف استخدام عملاء جدد للعمل في وكالات الاستخبارات الدولية. والصعيد الثاني توثيقي رقابي يهدف إلى مراقبة وتسجيل ما يكتب ويحكى على صفحات الموقع أثناء الدردشة . وقد كان من نتيجة هذا الاستخدام إلقاء القبض على فتاة في إحدى الدول العربية قامت بإنشاء مجموعة تدعو إلى الإضراب من أجل الاحتجاج على غلاء المعيشة ، فما كان من السلطات إلا أن ألقت القبض عليها بتهمة الدعوة إلى الإضراب وحيازة منشورات تحريضية.

علما أن تأكيد أصحاب الموقع على وجود حماية وسرية للمعلومات ، لا ينفي بحال من الأحوال إمكانية تعاونهم مع أجهزة الاستخبارات. فهذا الأمر سبق أن حدث مع موقعياهوو” ،الأميركي أيضا، الذي عمد القائمون عليه ، وتحت حجة مكافحة الإرهاب، إلى تقديم معلومات للسلطة الصينية عن مستخدمي بريد الشركة في الصين، مما ساهم في عملية إلقاء القبض على أحد المعارضين الصينيين.

جهات فردية يمكن أن تدخل إلى الصفحة الخاصة للمشترك، فتسرق معلوماته الشخصية بما في ذلك الصور من أجل استغلالها لأغراض لا أخلاقية، أو يمكن أن يتطور هذا الأمر من اجل التعرف على النساء والدخول معهن في علاقات غير شرعية. لذلك فإن أحد الخبراء في هذا المجال حذر النساء من الوثوق بالغرباء، ودعاهن إلى عدم تبادل الرسائل معهم، ونصحهن بعدم وضع إشارات أو تعليقات على الصور، أو أية معلومات خاصة، وعدم الاشتراك في مجموعات مشبوهة، أو تبادل أية رسائل مع أي شخص يشككن في أمره. ولتفادي هذا كله نصح هذا الخبير المرأة ألا تضع أية صورة شخصية وبذلك تكون بمأمن من الخروقات أو السرقات

أخيراً ، إن التحذير من خطورة الفايسبوك” لا يجب أن يستثني أمرا مهما جدا، وهو التلاعب بالدين والاستهزاء به والتهجم عليه، كما يفعل كثير من أصحاب المجموعات، أو انه قد يتخذ شكلا اشد خطورة، يتمثل نموذجه بما فعله هذا الرجل البريطاني الذي طلق زوجته على صفحات الموقع، فمثل هذا الفعل الذي قد يعتبره البعض مجالا من مجالات التسلية ، يعتبر في الشريعة الإسلامية أمرا واقعا لا محال، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :” ثلاث جِدّهن جِد وهزلهن هزل: النكاح، الطلاق، الرَجعة” رواه الترمذي.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم