همسات لطيفة
أ.فؤاد بن عبدالله الحمد
الحب من أسمى العلاقات الإنسانية الراقية، وأرفع المقامات، وهو سلوة الفؤاد، ودوحة غناء، وظل وارف, والحب إخلاص وصفاء ونقاء. بالحب تصفوا الحياة وتشرق الشمس ويرقص القلب، وبالحب تُغفر الزلات وتقال العثرات وترفع الدرجات، فلولا الحب ما التف الغصن على الغصن، ولا بكى الغمام على جدب الأرض، ولا ضحكت الأرض لزهر الربيع..
فلله در الحب كم أضاع من وقت؟ وكم أسر من فؤاد! وكم أذهب من عقل!! فما أجمل الحب وما أكثر مدعيه. كما أن المحبة ليست قصصا تُروى، ولا كلمات تقال، ولا ترانيم تُغنى، وإنما هي طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، تتجلى في السلوك والأفعال والأقوال قال الله تعالى : { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } ـ آل عمران: 31 لماذا الحب ؟ يقول الأديب الكبير والشيخ الجليل ـ علي الطنطاوي رحمه الله تعالى: ” لولا الحب لما حنا الجبل على الجبل فولد الوادي! ولولا الحب لما بكت السماء على جدب الأرض فنزل الماء…. ولولا الحب لما كانت الحياة! “. لقد سما الإسلام بهذه العاطفة الإنسانية أعلى المقامات, فالإسلام يعكس فهماً خاصاً وتميزاً لعاطفة الحب.! حيث يتكون نظام المحبوبية في الإسلام من مجموعة من الدوائر تتسع وتتداخل… دائرة حب الإنسان لنفسه ـ ففي الحديث الشريف ( وإن لجسدك عليك حق ) , وتتسع الدائرة لتشمل حبه لأسرته ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ) , وتتسع دائرة الحب لتشمل أفراد المجتمع ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً ) وفي موضع آخر ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه ). بل قد يرتقي إلى حب القيم والمبادئ والأخلاق, وقد تسمو به إلى حب الله سبحانه وتعالى ـ قال الله العظيم: { يحبهم ويحبونه } ]سورة المائدة : 54[ لقد جاء ذكر كلمة ” الحب ” مشتقاتها في القرآن الكريم في أربعٍ وثمانين موضع, وكذلك ورد لفظ ” الحب ” في سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم في كثير من المواقف؛ بل أن حياته صلى الله عليه وسلم كلها حب. { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } ]سورة التوبة : آية 128[. فالمتتبع لسيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم ـ يجد العجب العجاب!, ففي سيرته العطرة صلى الله عليه وسلم, الأنموذج الفريد الذي يُحتذى في التعامل مع هذه المشاعر الإنسانية الراقية! فقد كان صلى الله عليه وسلم في حبه مضرباً للأمثال, حيث منح بقلبه الطاهر النقي, الذي صاغه الله بالإيمان والطهر والعفاف, أعلى مقامات الحب وأصدقها لأهله وأصحابه, بل تعدى ذلك ليصل لكل من حوله من حيوان وجماد! { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ }]سورة الأنبياء : آية 107[ وفي الحديث ( إنما أنا الرحمة المهداة ).
فلم يصدر عنه صلى الله عليه وسلم في سيرته لأبنائه وأحفاده إلا الحب والرحمة والمودة والبر التي غمرت قلبه لتكون درساً للآباء والمربون. وأما سيرته صلى الله عليه وسلم مع أزواجه, فهي النبراس والمثل والأسوة الحسنة للرجال في كل زمان ومكان, في حسن معاشرة بالمعروف, والقسمة بينهن بالعدل بالمبيت والنفقة والتكريم, وفي احتمال غضبهن, بل كان صلى الله عليه وسلم يزورهن للوعظ والتعليم والمؤانسة, وكان يخدم في بيته ويقضي حوائجه بيده. صلى الله عليه وسلم ما ذكره الذاكرون, و صلى الله عليه وسلم ما غفل عن ذكره الغافلون..
في المقالة القادمة بإذن الله سوف نوسع في الحب وسيرة الحب… ألقاكم على حب بإذن الله تعالى..