أ. فرحان بن سالم العنزي .
(أحلام اليقظة ، أوقات الفراغ ، عدم وضوح الهوية ، العصيان والتمرد ، …هذه وغيرها مشاكل وأزمات يعاني منها المراهقين والشباب).
تتردد مثل هذه العبارات بشكل متكرر في المدارس والجامعات ودور العبادة ،من حناجر المدرسين والمحاضرين والخطباء .
ولعل ذلك يعطي دلالة واضحة على مدى استـفحال المشاكل التي يعاني منها الشباب في ظل عدم فعالية الوسائل المستخدمة في التعامل معها.
ولكن ما هي مرحلة الشباب؟ وهل تستحق كل هذا القدر من الاهتمام؟ وإذا كانت الإجابة بنعم فلماذا؟
وما هي الطريقة المثلى لمواجهة مشاكل الشباب؟
تمتد مرحلة الشباب من بعد مرحلة الطفولة إلى مرحلة الرشد أي في الفترة العمرية ما بين 13-21 عاماً ، وهي بذلك تقابل مرحلة المراهقة التي يصنفها كثير من الباحثين على أنها هي مرحلة الشباب ، غير أن الملاحظ أن المظاهر الغير مرغوبة ترتبط غالباً بوصف المراهقة في حين يرتبط الكمال والإبداع ومظاهر القوة بأوصاف الشباب.
وعند الحديث عن واقع مرحلة المراهقة و الشباب أتخيل أنني أقود سيارتي على احد الطرق السريعة وإذا بي أفاجأ أن الطريق مغلق للصيانة وقد تم تحويل السير إلى احد الطرق الزراعية الضيقة ذات المسار الواحد والتي لا تصل إلى الوجهة الذي أريد الوصول إليها بشكل مباشر والمشكلة أنني مرتبط بعمل ضروري لا يحتمل التأخير.
ماذا اعمل؟ هل أغامر واسلك الطريق مع أنني اجهل النتائج؟
أم هل أعود من حيث أتيت ، ولكن ماذا اصنع في العمل الذي ينتظرني؟
أم تراني استشير الآخرين، ولكن لا أرى أحداً ،كما أن الوقت يمضي سريعاً؟
كثيرة هي الخيارات!! وهذه هي المشكلة ، إنني أقف على مفترق الطرق .
كذلك حال المراهق الشاب، فالسيارة التي يقود هي الشخصية التي تتشكل من خلال التعرض لمجموعة من الخبرات في مجالات الحياة المختلفة ، وهو ينطلق بها من اجل تحقيق الذات ، وخلال تلك الرحلة يواجه مجموعة من الصعوبات والعقبات التي يعد اجتيازها بنجاح معياراً للسواء والصحة النفسية .
فهل نترك المراهق يمارس هذه المهمة المصيرية دون عون أو مساعدة وهو قليل الخبرة وضئيل التجربة غير مدرك للعواقب فقد يظل الطريق ويصبح عرضة لإجتيال الشياطين من الإنس والجن.
فمن يغوص في المحيط وهو لا يجيد السباحة يكون مصيره الغرق غير أنه قد كسب الشهادة ، بيد أن غريق هذه المرحلة مصيره مظلم في اغلب الحالات وطريقه مسدود .
فما يعانيه الشباب من مشاكل نفسية وسلوكية ما هو إلا أعراض لعدم رعاية النمو النفسي السليم . والذي يتمثل في تحقيق مطالب النمو المختلفة في مرحلة الشباب والتي من أهمها ،
تبيين المعايير الصحيحة للهوية السليمة وتنمية الولاء والانتماء للجماعة وتمكين الشباب من تحقيق الاستقلال النفسي والعاطفي بشكل متدرج عن الآخرين كذلك إيجاد الفرصة لإشباع الحاجات المختلفة للشباب كالحاجة إلى الإرشاد والتوجيه والحاجة إلى الأمن والاستقرار والحاجة إلى تأكيد الذات والاحترام والمكانة الاجتماعية والحاجة إلى ممارسة الرياضة والحاجة إلى التقدير والتفوق والانجاز والحاجة إلى اكتشاف المواهب والعمل على تنميتها بما يعود على الشاب ومجتمعه بالنفع والفائدة.
إن أكثر ما يعاني منه الشباب في مجتمعنا هو عدم القدرة على الاستفادة من أوقات الفراغ. وذلك لسبب بسيط يتمثل في عدم توفر الأنشطة التي يستطيع الشاب من خلالها تنفيس الطاقات الهائلة الموجودة لديه بشكل مقبول اجتماعياً ، مما يحدو به إلى تفريغ طاقاته المكبوتة بأساليب غير صحيحة كالهروب من الواقع والانغماس الدائم في أحلام اليقظة أو الوقوع في براثن المخدرات ومستنقع المؤثرات العقلية.
وفي ظلّ كثرة الفراغ وانعدام البصيرة وقلة التوجيه قد ينجرف الشباب وراء الأفكار المنحرفة المظللة من شياطين الأنس التي تجعل العدوان ضرورة والتمرد بطولة والإرهاب طريق مختصر إلى الجنة .
من اجل ذلك نحن بحاجة إلى مراكز متخصصة تكون منتشرة في جميع الأحياء السكنية تعني بتحقيق النمو النفسي السليم للشباب من خلال تحقيق مطالبهم واحتياجاتهم في كافة مظاهر النمو الجسمية والحركية والعقلية والاجتماعية والانفعالية..
فكما هي الحاجة إلى المحافظة على صحة الأبدان في إنشاء المستشفيات والمراكز الطبية المتقدمة ، فالحاجة اليوم ماسة واكثر إلحاحاً من الأمس إلى بناء الشخصية السوية للشباب على أسس صحيحة مستمدة من تعاليم الشرع المطهر من كل خلط أو تشويه.
وقفة:
من اجل الحاضر والمستقبل وحتى لا يكون شباب الأمة مجموعة من المنحرفين والمرضى النفسيين ، فلنستثمر معاً في جيل الشباب. ولنتذكر أن الوقاية هي دائماً خير من العلاج .