الثلاثاء 15 أكتوبر 2024 / 12-ربيع الثاني-1446

(( وسواس المرض )) .. الوهم يعطّل حياتك !



((وسواس المرض)).. الوهم يعطّل حياتك !

                الخبر، تحقيق – أ.عبير البراهيم .

يعيش الكثيرون مسكونين بالوهم، الذي يسيطر عليهم ويستبقيهم خلف جدرانه الشاهقة، لا يستطيعون من خلال ذلك الوهم إلا أن يتحسسوا مايرونه في الحياة، وربما مايتمنونه، والوهم هنا لا يتعلق فقط بالمشاعر السلبية أو الإيجابية أو بالتفاصيل الصغيرة، وإنما قد يقودنا إلى الضرر بكل النعم التي منحنا الله سبحانه إياها، قد يقود الوهم إلى إفساد نعمة الصحة والمعافاة الجسدية، وهي النعمة التي لايشعر بها إلا من فقد عافيته من الناس يبقى هناك البعض مأخوذين بالوهم بالمرض، يعيشون وهم يرون أنفسهم دائماً على حافة مرض خطير قد يفتك بهم، ويحولهم إلى عاجزين، إنهم أولئك الذين يتمتعون “بالصحة” لكنهم يتوهمون خلافها وكأن هناك توق غير مفهوم “للمرض أو العجز” أو الخروج عن إطار القدرة البدنية انصياعاً للقدرة الروحية النفسية التي تحدث المتوهم بالمرض بأنه لفرط مخاوفه وضعف إرادته في شؤون الحياة.
البعض التقى في الحياة بأناس مريضين بالوهم، أو كما عبر البعض عنها “بالوسواس” حيث سرد البعض الحكايات لشخصيات عاشت بخوفها من الأمراض متناسين بأن المرض الحقيقي، هو أن تكون عاجزاً على أن تتفاءل وتثق بقدرتك الجسدية والنفسية على تجاوز المحن في الحياة.

المجتمع يهرب منهم

تقول “أفنان عبد السلام”: “يتحول المرء حينما يصاب بمرض التوهم بالمرض إلى شخص غير مقبول في محيطه ومن المجتمع بأسره، حيث إنّ الشخص الواهم بأنه في حالة مرض دائم يصبح شخصية ثقيلة، تبعث على السأم، وتعود بمن يحتك بها إلى الوراء فالخوف أكثر صفة بائسة قد تحول المرء إلى إنسان معطل في الحياة”، مستشهدة بقصة صديقتها التي أنهت علاقتها بها وابتعدت عنها بعد أن يئست من تغييرها، خشية أن تصاب بمخاوفها وماسمته –بوسوستها– حيث كانت تعتقد صديقتها دائماً بأنّ هناك مرضاً يهدد حياتها وبأنها تعتقد بأنها لن تعيش طويلاً، حتى أنها كثيراً ماقالت لأفنان ستتصلين يوما علي، وسيخبرونك –أهلي– بأني فارقت الحياة، فهل ستحزنين علي، ولم تكن تعلم أفنان سر تشاؤم تلك الصديقة واعتقادها بأنّ مرضاً خطيراً سيحيط بها وينهش جسدها، حتى بذلت الكثير من الأساليب للتغيير من طريقة تفكيرها تلك، إلا أنّ تلك الصديقة كانت تصر دائماً بأنها مريضة مرضاً خطيراً ولم يكتشف بعد، وبأن لديها شعوراً بذلك، حتى تفاجأت يومًا بأن أسرتها تتصل بها لتخبرها بأن صديقتها تلك تصرخ وتبكي وتبدي عدم قدرتها على التنفس.

كن واثقاً من نفسك وتجاوز ظروفك وامضِ إلى الأمام بتفاؤل دون خوف أو تردد


واهمة وخائفة

وظنت “أفنان” بأنه وقع ماكانت تخشاه صديقتها وبأنها كانت محقة، فانطلقت لبيت صديقتها، ووجدتها جاثية على السرير تبكي خوفها من أن تموت، وحينما تم اصطحابها للمستشفى أثبتت التحاليل بأنها لا تعاني من أي مرض عضوي وبأنها تتمتع بصحة جيدة، حتى شعرت أفنان بأنها ستتحول إلى نسخة مكررة من صديقتها التي تتوهم بأنها ستموت بمرض خطير، وبعد أن تكررت تلك المواقف قررت أن تقطع صلتها بها خشية أن تتحول إلى واهمة وخائفة من مرض لن يأتي إلا من مخاوف غير مبررة.

القضاء والقدر

وأشارت “أم جنا” إلى نموذج مشابه لكنها تجد بأن مصيبتها أكبر، حيث تعيش مع زوجها الذي يتوهم المرض الدائم، ويتحدث عن آلام دائمة في قدميه ورأسه يشعر بهما في بعض الأوقات، وربما عبر عن إحساسه بآلام مختلفة بعد دقائق في أماكن متفرقة من جسده، حتى شعرت مع مرور السنوات بأن زوجها في أعماقه يخاف المرض، وقد اكتشفت ذلك حينما يصاب حقيقة بمرض الأنفلونزا أو رشح بسيط فإنه يلزم الفراش ويطلب الاهتمام به، وعدم فتح النوافذ، وربما رفض التحرك والنهوض فحتى الطعام لابد أن يقدم له في سريره، حتى يتحول إلى شخص متعب وغير مقبول الأمر الذي يدفعها إلى إعلان حالة الطوارئ حينما يصاب زوجها بعارض صحي بسيط، مستشهدة بقصة الجرح الذي أصاب أصبعه السبابة بفعل آلة حادة لم يتنبه وهو يمسك بها، حتى جرحت أصبعه وسال دمه، فصرخ يطلب المساعدة وحينما ذهبت إليه وجدت بأنه جرح صغير، وحينما أبدت له بأنه بالغ في انفعاله وبأن الموضوع لا يتجاوز “جرح بسيط”، وسيتوقف الدم بعد استخدام مطهر وشال أبيض، صرخ في وجهها ووصفها بالبرود، وبقي أكثر من أسبوع يتحدث عن تلوث قد يصاب به في الدم، وبأنه يشعر بدوخة دائمة، وشعور بالغثيان، وبأن حرارة مفاجئة تعتلي جسده، متوقعاً أن يكون أصيب بمرض خطير تمكن منه بفعل تلك الآلة التي ربما تكون ملوثة، حتى عاشت مع أبنائها أياماً صعبة طيلة تلك الحداثة، موضحة بأنّ الإنسان حينما لايؤمن بقضاء الله وقدره، ويكون إنساناً ضعيفً، فإنه يتحول إلى مريض بالمرض لأنه يخشى دائما أن يموت، حيث سيدفع ثمن “جنون” مثل هؤلاء المحيطين بهم من أسرة وأصدقاء.

أفنان: شخصية ثقيلة ومملة للآخرين

طفلة تتوهم المرض


وتتفق معها “تغريد سعد” التي ترى بأن الوهم بالمرض لايصاب به الكبار فربما وجد بصورة كبيرة لدى الصغار، مشيرة إلى طفلتها البالغة من العمر الثامنة والتي تتوهم دائما بأنها مريضة، فكثيرا ماتدعي بأنها تتألم من بطنها، أو ربما من عينها، أو ربما أخبرت بأنها تشعر بمرض خطير يحيط بها، الأمر الذي دفعها مع زوجها لإجراء فحوصات كاملة للطفلة، فلم يظهر أي عارض صحي، حتى اكتشفت بأن طفلتها مريضة بالوهم بالمرض والخوف منه، فحينما تمرض بشكل حقيقي حتى إن كان لرشح بسيط فإنها تستسلم لذلك التوعك الصحي وتبقى في حالة صعبة، تعاني منها كثيرا فربما بكت طوال اليوم، ولم تستطع النوم، كما أنها ترفض الطعام وحينما نأتي لها بالدواء تصرخ وتخاف منه وتبدي بأنها ستموت إذا شربت ذلك الدواء، الأمر الذي استدعى وجود طبيب نفسي لعلاج الطفلة التي أكد الطبيب بأنها مريضة بالخوف من المرض.

ارتباط الجسد بالنفس

وأوضح “د.أحمد حافظ” – استشاري الطب النفسي – أن هناك فرقاً من الناحية العلمية بين الوسواس وبين الوهم، فالوهم أن يتخيل المرء بأنه مريض بمرض ما لكنه واهم في ذلك وليس هناك صحة في ذلك وهنا يتوهم المرض أما الوسواس فكرة غير منطقية تلح على الإنسان ويعلم بأنها غير منطقية وغير مناسبة ثم يحاول أن يتخلص منها لكنه غير قادر على ذلك، مشيراً إلى أن الوهم المرضي أساسه العلاقة بين الجسد والنفس، فالعلاقة بينهما وثيقة جدا، فهناك الكثير من الأمراض النفسية تسبب أمراضاً جسدية، أو بالعكس أمراض جسدية تتسبب في أمراض نفسية، والعلاقة هنا تأخذ عدة محاور، موضحاً مثال على كل محور فالأمراض الجسدية التي تظهر على شكل أمراض نفسية مثل مرض “الأنفلونزا” فهو مرض عضوي لكن 75% من الحالات التي يصاب فيها أصحابها بذلك المرض يعانون من الاكتئاب والحزن والكسل والخمول والملل والذي يستدعي مرض “الأنفلونزا”.

أم جنا: زوجي «موسوس» بالفطرة


الاكتئاب والملل

وأضاف: كذلك هناك مرض نقصان هرمون الغدة الدرقية أو الكسل في الغدة فيؤدي إلى اكتئاب نفسي واضح تماما وهو سبب عضوي، بعكس تماماً بعض الأمراض النفسية التي تسبب أمراضا جسدية، مشيراً إلى أنّ هناك من الأشخاص من يشعر بحالة من الاكتئاب والملل فلا يعبر بذلك مباشرة بشكل لفظي بل يظهر بشكل أعراض جسدية، كأن تعبر بذلك بقولها: لدي صداع دائم، أو آلام في أسفل الظهر، أو آلام في قدمي ويدي فتذهب لأطباء كثر بحثا عن علاج، ويعتقد الطبيب بعد الكشف عليها عدم وجود أسباب واضحة بأنّ المريضة تعاني من “وهم المرض” وهو في الحقيقة نوع من الاكتئاب النفسي بأعراض جسدية، مضيفاً: الحال بالنسبة للقلق النفسي العام وهو عبارة عن زيادة لهرمون الأدرنالين، فيحول المرء إلى شخص متوتر يظهر لديه الأعراض الجسدية كصداع مزمن، وخفقان في القلب، آلام في مختلف الجسم، وتعرق ورعشة، وهذه جميعاً أعراض مرض القلق النفسي الذي يظهر على شكل أعراض جسدية.

د.حافظ: هاجس «الوراثية» مستمر

التوهم النفسي

وأشار إلى أنّ هناك أيضاً مايسمى بالهلع النفسي وهو عبارة عن نوبات تأتي لثوان ثم تذهب ويعود الإنسان بعد ذلك بشكل طبيعي، ثم تعود لديه مرة أخرى فيشعر بالخوف من المرض ويتوهم أن يسقط فجأة أو يموت وهذا مرض نفسي معروف، إلا أنّ غالبية من يعاني منه لايذهب لعيادات نفسية لكنه يذهب إلى عيادات باطنية والأقسام الأخرى والطوارئ دون أن يتنبهوا إلى أنها أعراض نفسية وليست جسدية، وهذا هو مرض التوهم المرضي، مضيفاً أن مرض التوهم النفسي من الناحية النفسية والعلمية هو قناعة لدى الشخص بأنه مصاب بمرض خطير جدا بدون أن يكون هناك دلائل يؤيد مايشعر به، على سبيل المثال، الشخص الذي يعتقد بأن لديه سرطان، فيذهب لمختلف المستشفيات ويؤكدون له بأنه سليم لكنه يصر على أنه مريض، ويبدي عدم تصديقه لهم، ويدعي بأن الأطباء لديهم مايخفونه عن حقيقة مرضه وهكذا، وكذلك من يتوهم بوجود مرض الإيدز فيقوم بفعل التحاليل فيؤكدون له بأنه سليم، فيعاود عمل التحاليل من جديد لدى مستشفى آخر لفرط خوفه من المرض.

مرض التجسيد

وأوضح أنّ هناك مرضاً شبيهاً بمرض التوهم وهو مرض التجسيد وهي الحالة التي يشعر فيها الشخص بأن لديه أعراضاً جسدية دائمة ولكن أسبابها نفسية إلا أن هذا النوع من الوهم لدى الإناث أكثر من الذكور، فعلى سبيل المثال تشعر المرأة بأن لديها آلاماً في أسفل الظهر، ثم سرعان ما تشعر بآلام في أسفل البطن، ثم آلام في الصدر، حتى تصبح الهرمونات لديها متخبطة وليس هناك سبب عضوي واضح يفسر هذا المرض غير أنه “مرض التجسيد”، مؤكداً على أنّ هذه الحالات يجهلها الكثير من العامة، حيث إنّ هناك أمراضاً لدى الأخصائيين النفسيين تتحول إلى أسباب في التوهم المرضي، موضحاً بأنّ هناك حالات لا ترتقي لمستوى المرض النفسي بالمفهوم الطبي فعلى سبيل المثال الطلبة الذين يدرسون في الكليات الطبية معرضون؛ لأن يكون لديهم التوهم المرضي أكثر من غيرهم، فيشعر طالب الطب أو الطالبة حينما تدرس طبيعة بعض الأمراض كأنها تعاني من ذات الأعراض المرضية فتتوهم بأنها مصابة به، وهذا لايعتبر نوعاً من المرض وإنما يصنف على أنه تخوف زائد عن اللازم ويكون مؤقتاً وسرعان مايزول.

التقليد والمحاكاة

وأشار “د.حافظ” إلى نوع آخر ممن يتوهم المرض وهم أبناء الأم أو الأب المريضان بمرض ما، فعلى سبيل المثال حينما تعاني الأم من أوجاع مزمنة في الصدر فإن الابنة تتوهم بأنها كذلك تشعر كما تشعر أمها لفرط احتكاكها بالأم التي تعاني، وهذا يعد نوعا من التوهم ولكن السبب فيه التقليد أو المحاكاة لمن هم في البيئة، أو ربما جاء التأثير مما يشاهده البعض في التلفاز من أعراض بعض الأمراض فيحصل التقليد، مؤكداً على أنّ مايشعر به الإنسان إزاء مرضه يحدث فعلا –وهذه حقيقة علمية مثبتة– فحينما يوجد مريضان بالسكر الأول متفائل ويعتقد بأنه سيشفى والثاني مكتئب ويعتقد بأنه لن تتحسن صحته فإن من يتوقع الشفاء يحدث له مايتوقعه ويمارس حياته بشكل عادي في حين تتأخر صحة من ظن أنه لن يتجاوب مع العلاج ، فالقناعات الشخصية الذاتية للإنسان تؤثر على مآل المرض، وهذا ليس فقط تأثيرًا نفسيًا حتى عضويًا، موضحاً بأن الشخص المتفائل شعوره الإيجابي يقوي من مناعته وذلك مايساعده على مواجهة المرض، بخلاف المحبط والسلبي فإن المناعة لديه تقل وتضعف ويكون عرضة لأمراض كثيرة أن يصاب بها، مؤكداً بأن الوهم بالمرض له علاج ولكن ذلك العلاج لايمكن أن يحصل عليه إلا لدى الطبيب النفسي فقط وليس طبيباً آخر، فالعلاج السلوكي المعرفي هنا أهم من العلاج الدوائي.

المصدر: صحيفة الرياض

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم