الأربعاء 11 ديسمبر 2024 / 10-جمادى الآخرة-1446

وقبل فوات الأوان .



وقبل فوات الأوان .
http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQBaKKMuRVJ2nWgRu81rZBtqtNHB0k5mnsf2Mthdfwr1VlQ_yrUPA
د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة.

عندما أقف أمام طالباتي لتدريسهن أشعر بحرج قد يصل به الحال معي لأن يأخذ مني كل مأخذ، أما السبب فلأني أدرك أن جيلي لم يقدم الكثير لهذا الجيل الواعد، ولا أعتقد أن بعضنا يضع في حسبانه حقوق هذا الجيل ومتطلباته – إلا من رحم ربي- وهم مع الأسف قلة لا يعتد بعددهم،

 

فالغالبية تعيش حياتها دون النظر في حقوق شبيبة تسعى لتغيير مستقبلها، لعلها تكون أفضل مما هي عليه في يومها الذي أوجدناه نحن لها، إن لم نكن قيدناها به عن سبق إصرار وترصد، شبيبة سيتمكن منها الخوف أو التمرد لو تركناها دون اهتمام، لو لم نقدم لها الدعم المعنوي لتتقدم وتعلن عن مكنون نفسها دون وجل أو تردد،

 

جيل حركناه أو أردنا أن نحركه بآلة التحكم عن بعد، وليقوم بطاعتنا طاعة عمياء، سرعان ما سيسعى دون شك للتمرد لو سنحت له الفرصة، وأخشى ما أخشاه أن يتحول هذا الجيل إلى قنبلة موقوتة تنتظر الفرصة للانفجار، و

 

كيف لا يكون هذا حاله، ومحرم عليه أن يتكلم وأن يبدي رأيه ولو فعل وتجرأ فالويل والثبور له، ألم يتطاول بذلك على أسياده ويتعد حدوداً أردنا نحن أن تكون نذير شؤم عليه؟ (سيد ومسود) هذه الفلسفة التعليمية السائدة في جامعاتنا مع الأسف..

 

وحتى أكون أكثر صراحة، أذكر هنا أنه ومن خلال عملي في التعليم الجامعي ولفترة قاربت العقدين من الزمان، لم أتلق أي دعوة من المعنيين بهذا التعليم تهدف للبحث في أحوال الطالبات ومتطلباتهن، أو حتى في تبيان حقوقهن على الجامعة، وعلى القائمين على العملية التعليمية فيها، ولم يوجه لي- إلى اليوم- دعوة لحوار مفتوح بين الطالبات وأعضاء هيئة التدريس، ولو حدث ذلك وهو أمر افتراضي بعيد المنال، فلن يخرج كما أجزم عن نطاق المجاملات،

 

فالصراحة نتيجتها في مفهوم بعض الطلبة الجامعيين، إن لم يكن عند أغلبهم يعني الرسوب المؤكد، وبعد هذا وذاك أعجب من عجب بعضنا من اكتساح الروح الانهزامية أو العدائية لبعض أبنائنا، ألم نكن نحن الممولين لهذا الانهزام وذاك العداء..؟!

 

إن بعض جامعاتنا تفتقر – إلى اليوم – إلى لجان تمثل الطلبة والطالبات، كما تفتقر إلى وجود مجالس طلابية، وإن وجدت فأشك أنها تعقد وبشكل دوري، أو أنها تعطى الاهتمام اللائق بها، أما لو حدث لقاء عارض بين القائم على هذه الجامعات وبين الطلبة، فلن يخرج دور المتحدث الرسمي عن تلك الجامعات عن تطييب الخواطر أو تكميم الأفواه..

 

من المؤلم أن كثيراً من الطلبة يتساءلون وبصوت بالكاد يسمع عن حقوقهم، حقوق عايشوها في أحلامهم لا في واقعهم، ويستنكرون اهتمام وحرص الجامعات على تلقينهم قوانين وحقوق المؤسسة التعليمية، في حين قلما توقفت لتبيان حقوق الطالب الجامعي، سواء ما يتحقق منها داخل القاعات الدراسية، أو خارجها،.. حقوق في وضعها الحالي تكاد تنحصر في عالم النسيان..!! ففي معظم جامعاتنا مع الأسف، يجد الطالب لائحة بالواجبات تكاد لا تنتهي، تنحصر بفعلي الأمر والنهي (افعل ولا تفعل)..!!

 

ومن منطلق إحساسي بالمسؤولية تجاه جيل كرمت بتدريس بعض بناته، أدرك عن قرب مدى ما يتمتع به معظم هذا الجيل من سعة إدراك وبعد نظر، صفات قد تكون خافية عن أقرب الناس له، ومن هذا المنطلق أيضاً أوجه كلامي اليوم لولاة الأمر في تلك الجامعات، ولا أعني هنا رجال الدولة، فهذا أمر وبشكله العام لا يدخل داخل نطاق سلطتها، وآمل ألا تخرج نتائجه عن نطاق السيطرة يوماً ما، فتضطر الدولة للتدخل لحله، وهو أمر متوقع لو استمرت سياستنا كما هي..

 

لهؤلاء أقول إن أبناءنا وبناتنا طلبة الجامعات، يفتقدون الإحساس بتقديرنا لقدراتهم، هم بحاجة لاهتمام أكثر من حشو أذهانهم بمعلومات على أهميتها، لا تلامس أرواحهم ووجدانهم، هم كائنات حية تملك من المشاعر والرؤى ما يستحق منا التوقف والنظر في فحواها.. ثم أليسوا هم المستقبل الذي نعتمد عليه بعد الله..

 

آمل أن ندرك عظم دورهم فلا نضيع شيخوختنا بتضييع شبابنا، آمل أن نتعامل مع مستقبلنا، ومستقبل أجيال قادمة كراشدين، لنحميهم ونوليهم اهتماما يليق بهم، لنعلمهم حقوقهم بنفس القدر من اهتمامنا بتلقينهم حقوق غيرهم..

 

لنفعل هذا عاجلاً غير آجل، قبل أن يأتي أحدهم من خارج الحدود، يدعي حرصه عليهم فيسمعهم ويوليهم من الاهتمام والتقدير ما لم يتذوقوا طعمه بيننا، فيملك قلوبهم ثم عقولهم، ومن ثم يسعى جاهداً لتسميم أفكارهم وتشويه نواياهم، لنعمل معاً على ضمان قربهم منا والتصاقهم بنا، قبل فوات الأوان..

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم