النوم على « وسادة الإحباط »..انتبه لعمرك!
ما أن تضع رأسك المثقل بالهموم والأفكار والأحلام، وتغمض عينيك فوق سريرك للراحة بعد عناء يوم طويل؛ مطلقاً العنان لأحلامك الوردية بنسج ما تريده من تفاصيل قد تبدو ملامحها مزعجة أحياناً لدى البعض، وذلك بسبب تبخر بعضها، نتيجة فشل تحقيقها على أرض الواقع، الأمر الذي من الممكن أن يطرد الأمل بعدم تحقيقه، لتحلق النتائج السلبية فوق سماء أحلامنا، وذلك عبر مقاطع من الأحلام المزعجة والفواصل المؤرقة التي توقظنا بين ساعة وأخرى، ممنين النفس في كل مرة بالعودة إلى النوم ولو لساعات قليلة.
إن النوم على وسادة «محشوة» بالإحباط، يشعرك بالقلق والتوتر، قد يصل بك أحياناً لإضاءة النور في غرفة النوم، وإلقاء أكثر من نظرة غاضبة فوق سريرك بحثاً عن المشكلة، وقد تحاول تغيير وضعية نومك أو تحريك الوسادة من تحت رأسك أكثر من مرة، بحثاً عن دقائق تسترخي فيها بهدوء بعيداً عن متاعب النوم، وقد تقرر بينك وبين نفسك بشراء وسادة جديدة في اليوم التالي، لعلها تمنح عينيك المتعبة تأشيرة نوم عميقة.
«الرياض» تطرح الموضوع لمعرفة أسباب ذلك، مع مناقشة المختصين لإيجاد الحلول التي تضمن حصول النوم دون معوقات تذكر.
مجموعة كوابيس
في البداية تقول «هيفاء الشربيني» -50 عاماً-: إن معاناتها مع النوم بدأت عندما علمت بزواج زوجها من امرأة ثانية، مضيفةً أنه برغم أهمية النوم في الحياة إلاّ أن ذهابها للسرير أصبح مشكلة مزمنة مؤرقة في حياتها، خاصةً بعد أن علمها بزواج زوجها، الأمر الذي أجبرها على طلب الانفصال بعد عشرة دامت (15) عاماً، مشيرةً إلى أن كل السنوات التي عاشتها مع زوجها بحلوها ومرها تعيش فصولها في أحلامها، والتي تحولت إلى مجموعة من الكوابيس التي باتت تؤرقها، رغم سعادتها باسترجاع تلك اللحظات الجميلة معه.
«يا خي حط راسك ونم» دون تفكير في الآخرين أو شعور بالظلم.. أو إنك أقل من غيرك
وأضافت أنها تشعر بالقلق؛ لأنها عبارة عن صورة قديمة لحياته الجديدة مع زوجته، بل وتشعر أن السرير وبكل محتوياته تحول إلى «كومة» من الأشواك تدمي جسدها، كلما شعرت بحاجتها للنوم، وذلك بسبب الغيرة من الزوجة الثانية والتي تأتيها صورتها في أحلامها، مما دفعها لأن تتناول الحبوب المنومة، والتي ساعدت في تخفيف الأرق إلى حد ما، مبينةً أن الإجهاد والقلق أصبح بادياً على وجهها، بل وتسبب في تهديد جمالها.
تناول الأكل
وتتحول الرحلة اليومية للنوم إلى مأزق حقيقي لدى «وفاء» -44 عاماً-، والتي زاد وزنها بدرجة كبيرة بسبب تناولها للطعام أثناء النوم وبكميات كبيرة؛ بسبب عدم قدرتها السيطرة على شهيتها رغم متابعتها مع إحدى المراكز المتخصصة للحمية، وذلك بسبب حالتها النفسية بعد وفاة والدتها وزواج أخواتها الثلاثة، وبقائها وحيدة، مما جعلها تشعر بالوحدة والخوف من المستقبل، وقالت «وفاء»: منذ أكثر من (7) سنوات وأنا أعيش حالة من القلق والتوتر، فبمجرد أن أضع جسدي فوق السرير تبدأ أحداث حياتي الحزينة المرور أمام عيني، وخاصةً اللحظات التي تعيد لي صورة والدتي وهي تصارع المرض إلى أن تغمدها الله بواسع رحمته، مؤكدةً على أنها عجزت عن إيجاد حل لهذه المشكلة، رغم أنها راجعت الكثير من الأطباء، فهي تأكل كل ما تجده أمامها وهي نائمة، دون أن تعلم، وعندما تصحو صباحاً تتفاجأ بكميات الطعام وأوراق «الشوكولاتة» المتناثرة فوق السرير، مبينةً أن أحد الأطباء المختصين نصحها بإغلاق باب غرفتها بالمفتاح من الخارج، وتركه مع الخادمة للحد من ذهابها إلى المطبخ.
د.المشوح: «إستراتيجيات المواجهة» لدى البعض سلبية
أجمل الأوقات
وأوضح الشاب «لؤي زيني» أن وقت نومه من أجمل وأسعد الأوقات التي يعيشها؛ لأنه يحرص على أن يتوضأ قبل النوم ويقرأ الأذكار، وبمجرد أن يغمض عينيه يغيب في سبات عميق، ذاكراً أن أحلامه تشعره بالراحة والطمأنينة، وفي أحيان أخرى كانت مؤشراً لأحداث سعيدة في حياته، خاصةً عندما حلم بأن زوجته أنجبت له ثلاثة توائم بعد عقم دام خمسة سنوات، ليتحقق حلمه بحملها بعد عدة شهور من الحلم.
ويتحدث الشاب «محمد العسيري» عن العلاقة الوطيدة التي تربطه بوسادة نومه، والتي لا يستطيع مفارقتها في كل رحلاته البرية وسفرياته الطويلة، لدرجة أنه أصطحبها معه أثناء سفره لقضاء شهر العسل؛ لأنه لا يستطيع أن ينام بدونها؛ ولأنها تشعره بالراحة وهو نائم لساعات طويلة.
د.الحامد: التفاعل مع أحداث اليوم يزعج عند النوم
مراجعة الأحداث
وقال «د.محمد الحامد» -استشاري الطب النفسي- أنه من الطبيعي أن يقوم الإنسان بمراجعة كل أحداث يومه التي مر فيها، إلاّ أن المشكلة الحقيقية لا تكمن في مراجعة تلك الأحداث واستعراضها، ولكن في الطريقة التي يتم فيها التفاعل مع تلك الأحداث، مبيناً أن الأيام في حياة الإنسان لا تمر على وتيرة واحدة فيوم حلو ويوم مر، والأشخاص الناجحين في حياتهم لابد أن يتذوقوا طعم المرارة، مشيراً إلى أن الناس السلبيين والمحبطين لا ينامون على وسادة محبطة، ولكن على رؤؤس محبطة. وأضاف: مشكلة بعض الناس أنهم يلصقون الفشل بأنفسهم، مع أنه مرحلة عابرة في حياتنا، بل ولا يرون في الأشخاص الناجحين إلا الأشياء اللامعة، وينظرون إلى الجانب المظلم في حياتهم أثناء النوم، متناسين أن الفشل بداية النجاح، ولو نتذكر بداياتنا عندما حاولنا نتعلم المشي، سقطنا كثيراً على الأرض قبل أن نقف بثابت عليها، وهذا يعني أن كل إنسان باستطاعته النوم على وسادة محبطة أو وسادة سعيدة.
سوء التخطيط
وأوضح أن الحياة سهلة ولا تخلو من المشاكل، وبعض التعب قد أخلقه لنفسي بسبب سوء التخطيط المالي أو الإجتماعي، مشدداً على ضرورة عمل جدولة للحياة للتغلب على المشاكل والتي ترافقنا في أحلامنا، مؤكداً على أن مشاكل النوم لها علاقة بالحالة النفسية، والشخص عندما ينام يخلع جميع الأقنعة ويذهب إلى السرير دون تجميل للأمور، وتبدأ الساكنة في العقل الباطن بالتحرك بحرية تامة دون قيود بعفوية وتلقائية، مبيناً أن الشخص في حالة اليقظة يعيش مكبل تحت تأثير الوعي، والذي هو عبارة عن قيود اجتماعية وأخلاقية ونفسية وفي النوم تتلاشي جميعها، ذاكراً أن (90%) من مشاكل النوم تندرج تحت الأمراض النفسية والجنسية، و(10%) عبارة عن مشاكل عضوية، والتي تنتج عنها بعض المشاكل، مثل السير والكلام وقت النوم، مضافاً إليها اضطرابات النوم ومنها القلق، وهي مشاكل تقع على خارطة النوم وتعالج من خلال الأدوية.
د. محمد الحامد
الأرق النومي
وقال «د.سعد المشوح» -أستاذ الصحة النفسية المشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية-: إن الوسادة المحبطة مصطلحها العلمي «الأرق النومي»، ومعناها عدم قدرة الإنسان على مواجهة الصعوبات والضغوط التي يواجهها في حياته اليومية، فتكون إستراتيجيات المواجهة لديه سلبية، ومن أبرز مظاهرها أنه إذا جاءت لحظة النوم يبدأ الفرد بتذكر كل الضغوط التي مر بها ولم يستطع أن يجد لها حلولاً وبشكل سلبي، مما يحدث لديه حالة من «الأرق النومي» والذي يستمر من ساعة إلى ستة ساعات أحياناً، مبيناً أن البعض يعتقد بأنه خلال هذا الوقت يفكر في مشكلات الحياة، ولكنه يمر بمرحلة مرضية والتي إذا استمرت أكثر من ستة أشهر، فإنها تعتبر حالة من حالات اضطرابات النوم المزمنة، والتي من الممكن أن تصاحب الإنسان لسنوات طويلة من عمره، وتجعله يتناول الجرعات الطبية التي تساعده على النوم، أو أن يستخدم الأعشاب العطرية، مشيراً إلى أنه في كل الحالات هي نتاج لعدم القدرة على وضع إستراتيجية للضغوط اليومية، والتي تبدأ من بداية عدم القدرة على التكييف مع متغيرات الحياة اليومية، وينتج عنها تعكر المزاج وعدم القدرة على الدخول في النوم، إلى جانب عدم ارتخاء العضلات، وعدم القدرة على إيقاف التفكير.
مزاج متعكر
وأضاف أن بعض الحالات لا تستطيع النوم نهائياً، وبعضها لا يشعر أنه قد نام، بالرغم من أنه قد أغمض عينيه، وعندما يصحو يجد مزاجه متعكراً، مشيراً إلى أن جميع الدراسات لم توضح من الأكثر في هذه المعاناة النساء أم الرجال، ولكن أشارت إلى أن نسب النوم في البشر متفاوتة، مبيناً أن جميع الناس يعتقدون بأنهم ينامون أكثر من ستة ساعات متواصلة، ولكن الحقيقة تشير الى أن النوم الحقيقي لعموم البشر لا يتجاوز (45) دقيقة إلى (50) دقيقة، والتي يرتاح فيها العقل، أما الساعات الباقية فهي عبارة عن أحلام وكوابيس، لافتاً إلى أن الأطفال معرضون للإصابة بمثل هذا النوع من الأرق، وخصوصاً لمن انفصل والديه؛ بسبب الطلاق أو الوفاة أو يكونوا قد تعرضوا للعنف أو بعض المخاوف والتي قد تصل بهم إلى التبول اللاإرادي.
المصدر: صحيفة الرياض ، العدد 15689 .