الأربعاء 11 ديسمبر 2024 / 10-جمادى الآخرة-1446

المستشار د. خالد الحليبي لـ” مداد”



د. خالد الحليبي في حواره لـ”مداد”:

# “الديكتاتورية أسوأ مايشين العمل التطوعي لأنها تحوله إلى ثكنة عسكرية

# أقترح أن  للقطاع الأهلي الاجتماعي هيئة خليجية دائمة تهدف إلى التنسيق بين مؤسساته

#الفارق هائل بين عدد المتطوعين في الغرب والبلاد المسلمة.. وهذه فاجعة

# نحتاج إلى العمل الفردي والمؤسسي وفي كل خير والثاني اكثر بركة وأثرا

#العمل التطوعي إذا تحول إلى مؤسسات سيوفر مئات الوظائف

# على كل جنس العمل في ميدانه خلال العمل التطوعي دون اختلاط بينهما

حوار:تسنيم الريدي

 

المستشار الدكتور خالد بن سعود بن الحليبي، له باع طويل في مجال العمل التطوعي بمختلف أشكاله؛ فهو عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة، والمشرف العام على موقع (المستشار) بالدمام، والمدير السابق لإدارة الخدمات الاجتماعية الشاملة بجمعية البر بالأحساء، ومدير معهد التنمية الأسرية للتدريب بالأحساء، ورئيس لجنة إصلاح ذات البين بالأحساء التابعة لإمارة المنطقة الشرقية، والأمين العام للجمعية الخيرية لتيسير الزواج ورعاية الأسرة بالأحساء، والمشرف العام على المجلس التنسيقي لمراكز التنمية الأسرية بالمنطقة الشرقية، وعضو اللجنة الاستشارية والعلمية لملتقى التطوع في الغرفة التجارية. 

 

“مداد تَوَاصل معه في حوار شمل قضايا العمل التطوعي والفرق بين الفردي منه والمؤسسي، وقواعد نجاح هذا العمل والأسباب التي قد تؤدي إلى فشل بعض التجارب لبعض الجمعيات، وكيف تمثل الدكيتاتورية في العمل الخيري إلى سوءة كبرى تعتريه وتشل من حركته لأنها تحوله إلى ثكنة  عسكرية تبعده عن المرونة التي ينشدها في مسيرته  وغير ذلك من القضايا المتعلقة بالعمل الخيري..

** ما أخلاقيات العمل التطوعي؟ وكيف يتم تدريب الشباب والفتيات على الالتزام بها؟

كان لا بد أن نسبق الحدث في العمل التطوعي، ولكن الحدث سبقنا، فإن العمل التطوعي كان موجودا بطبيعة المجتمع الذي يدين بالإسلام، الدين الذي يحث على بذل المعروف لمن نعرف ولمن لا نعرف، ونعيش آلام الآخرين، ونفرح لفرحهم، ولكن الشباب السعودي الفتي، والبنات السعوديات المتميزات، استطاعوا واستطعن أن يفرضوا واقعا للعمل التطوعي تلبية للطوارئ التي حدثت في بعض المدن، وكان لا بد للمعنيين من الالتفات إليه، ووضع أسسه، وتقنين أخلاقياته، ومن هنا فإني أرى من أبرز أخلاقيات العمل التطوعي:

أن ينطلق من ديننا ومن أعرافنا الاجتماعية التي لا تتعارض مع شريعته، فإن أية مصادمة لهما قد تقع من خلال الممارسات فإن ذلك سوف يجعل المجتمع يرفضه تماما، ويحس بأنه أصبح خطرا عليه وعلى أعراضه، مهما كانت المسميات المطلقة عليه.

أن يكون هدفه نبيلا؛ خدمة الدين والوطن وإنسان هذا الوطن.

أن يسهم في بناء المروءة، وحفظ ماء الوجه، ونشر ثقافات متحضرة.

أن يكون قائما على الاحترام المتبادل بين العاملين فيه من جانب، وبينهم وبين غيرهم من جانب آخر.

ألا يكون الهدف منه ماديا، بل تطوعيا محضا، ولا يمنع ذلك من صرف بعض الأموال التي لا تعدو مكافآت للذين حبسوا أنفسهم على العمل فيه بدوام جزئي أو كامل.

 

** وماذا عن قواعد العمل التطوعي الناجح والفعال؟

النجاح العمل التطوعي يجب أن يتميز بعدة مقومات، أهمها:

أن يكون مُقنّنا من الجهات المعنية، وتحت مظلة مرنة؛ حتى لا يتحجّر واسع، ولا يتفلّت زمام، فيضيع المقصود من العمل التطوعي.

أن يكون ضمن أطر مقررة من خلال المجموعات التطوعية، برؤية واستراتيجيات، وأهداف وبرامج.

أن يكون له فريق عمل متكامل من الشباب والفتيات، يتدربون على الأعمال التي يقومون بها قبل أن ينهضوا بها.

أن يكون مستقرا في مراكز مخصصة، وفريق عمل متكامل، وميزانيات تقديرية محددة.

أن يكون له دعم من الدولة ومن المحسنين.

أن يكون له خطة تنفيذية زمنية نافذة.

 

عملنا الخيري والغرب

** أعداد المتطوعين في المجتمع العربي محدودة مقارنة بالغرب… لماذا برأيكم؟ وما هي الخطوات العملية لمواجهة ذلك؟

الفارق هائل بين عدد المتطوعين في الغرب والبلاد المسلمة، وهي فاجعة في الحقيقة؛ فقد كان المتوقع عكس ذلك تماما، ولعل السبب هو:

استهداف الغرب لهذا العمل.

ووضع أسس له.

وتدشين مؤسسات ترعاه وتشجعه، وتستوعب المتقدمين له في مسارات العمل التي يرغبونها.

ومعالجة ذلك في مجتمعنا السعودي تكون بهذه الجوانب الثلاثة التي اهتم بها الغرب، وتفعيلها باهتمام مستمر، وليس ردة فعل، كما حدث عندنا حينما وقعت أحداث جدة المؤسفة، فقد كانت الالتفاتة إلى العمل التطوعي قوية، وفجأة خَفَتَت وذابت جبالُ الجليد التي بناها صقيع المأساة، ولم نعد نسمع شيئا بعد أن عقدت اجتماعات وقننت قوانين!!

محاربة البطالة

 

 

** وضّحتم سابقاً أن العمل التطوعي أحد ميادين الحد من انتشار البطالة… كيف يكون ذلك؟

لا أشك في ذلك؛ فإن العمل التطوعي ميدان حر وخصب، تنطلق فيه الطاقات على سجيتها، ويندمج فيه الشاب والفتاة برغبة منهما، حينها سوف يكتشف كل منهما ما لديه من مواهب، ويصقلها، وينميها، ويبني خبراته فيها، فإذا به أصبح جاهزا لأي عمل رسمي يمكن أن يقوم به، أو يفتح له مشروعا تجاريا في المجال الذي أبدع فيه، فضلا عن أن العمل التطوعي إذا تحوّل إلى مؤسسات فإن مئات بل ألوف الوظائف ستتوفر للشباب والفتيات من خلاله.

الديكتاتورية سوءة العمل الخيري

** ما مفهوم ممارسة الديكتاتورية في العمل التطوعي … وما آثارها؟  

من أسوأ ما قد يقع هو ممارسة الدكتاتورية في العمل التطوعي، حيث تتحول المؤسسة فيه إلى ثكنة عسكرية ليس فيها إلا قائد واحد يأمر فيطاع، وتتحول المنظومة التي حوله إلى أشباح وظلال له؛ فقط عليها أن تنفذ، فلا تفكر، ولا تقترح، وليس لها دور في اتخاذ القرار!!! حينها يتيبس العمل، وتهرب منه القامات العالية، والمواهب المبدعة، ولا يظل غير الذين لا رغبة لهم في غير المال أو الجاه، أو مجرد تَزْجِيَة الوقت، ولن ترى ثمرات حينها أبدا.

أسباب فشل البدايات عند البعض

** نشأت العديد من الجمعيات الخيرية والمؤسسات التطوعية، لكن بعضها سجّل فشلاً من البداية، برأيكم ما هي أسباب فشل وعدم فعالية الجمعيات التطوعية؟

كما تفشل المؤسسات التجارية، قد تفشل المؤسسات التطوعية، وأسباب الفشل تعود إلى عدم دراسة الجدوى بشكل جيد، أو بالاندفاع أكثر مما ينبغي، أو بسبب عدم انسجام فريق العمل، أو بسبب عدم وجود دعم مادي، وقد تنجح المؤسسة فترة، ثم فجأة تفتُر وتضعف بسبب عدم وضع أسس قوية لاستدامتها المالية والبشرية. والتسلط الإداري عامل مهم من عوامل الفشل.

التسويق الإعلامي والمالي

 

 

** يؤمن البعض بأن إدارة الجمعية الخيرية –  كشركة – بحاجة للتسويق والإدارة يقيها الفشل، ما رأيكم؟

هذا صحيح تماما، والتسويق الإعلامي والمالي من أبرز ما تحتاجه..

كما أن القيادة الماهرة، التي تستثمر مَلَكات العاملين معها، وتحترمهم، وتضع كلا منهم في مكانه المناسب؛ هي التي تحقق النجاح الحقيقي الذي قد يحتذى من الآخرين.

الفردي والمؤسسي ..في كل خير

** العمل التطوعي الفردي والعمل التطوعي المؤسسي … أيهما الأهم؟ وهل يكمل كل منهما الآخر أم ماذا؟

نحتاج إليهما، وكل منهما يكمل الآخر فعلا، والعمل التطوعي المؤسسي أدوم وأبرك وأكثر أثرا.

 

** ما مقترحاتكم لتطوير العمل التطوعي في الخليج العربي؟

اقترحت على وزراء الشؤون الاجتماعية في دول التعاون الخليجي، خلال اجتماعهم في (أبو ظبي) في شهر ذي القعدة المنصرم، وكنت أمَثِّل مركز التنمية الأسرية بالأحساء، الذي كُرِّم على هامشه ضمن المشروعات الرائدة على مستوى الخليج، ممثلا للمكلة العربية السعودية، وقلت بالنص: “وإني لأجدها فرصة ثمينة لأقترح على مجلسكم الموقر أن يكون للقطاع الأهلي الاجتماعي هيئة خليجية دائمة تهدف إلى التنسيق بين مؤسساته؛ بهدف الارتقاء بها، وتصنيفها بحسب اختصاصاتها؛ لتحقيق التكامل وتبادل الخبرات فيما بينها، وعقد المؤتمرات والندوات والملتقيات الدورية بحسب اختصاصاتها”.

**  ما التجارب الناجحة التي يجب أن نستفيد منها؟

لا أريد أن أذكر أسماء، ولكن من حقق الاستدامة في عطائه لمجتمعه، بروح الفريق الواحد، وبزيادة مطردة في نشاطاته دون ديون مالية، فهو الناجح الذي ينبغي أن يحتذى.

المرأة والعمل التطوعي

** ما زال الكثيرون يستهجنون انخراط المرأة في العمل التطوعي… كيف ترون ذلك؟

جاء هذا الاستهجان حين برزت صور غير مرضية من بعض النماذج؛ حيث تحولت العلاقة المهنية إلى علاقة مريبة، وهذا على مستوى أفراد بالطبع، وقد يقع في المستشفى والجامعة والسوق، فليس صحيحا أن نغلقها جميعا بالطبع، ولكن الصحيح أن نوجد البدائل السليمة، وهي أن يعمل كل جنس في ميدانه، دون اختلاط بينهما؛ حينها سيكون الإنتاج أكثر وأغزر وأدوم بإذن الله تعالى.

** ما المجالات وميادين العمل التطوعي التي تفتقر لجهود الشباب؟

كثيرة جدا بقدر كثرة أمور الحياة، ولا تنتهي عند حد أبدا؛ مثل: الطب، والإغاثة، والتعليم، ونشر ثقافات يومية؛ كالنظافة، والسماحة، ومساعدة الآخرين، وترك التدخين، وغيرها.

العمل الخيري والأطفال

** وما هي ميادين العمل الخيري المناسبة للأطفال لغرس أهمية العمل التطوعي؟

يمكن أن نشركهم في نشاط داخل البيت بالترتيب، والتنظيف، ومساعدة الأطفال الآخرين، وترك مساحة لهم للّعب بألعابهم الشخصية، وأن نَقُصّ عليهم بعض القصص الحقيقية أو الخيالية متضمنة نماذج متطوعة ناجحة، كما يمكن أن نأخذ معنا الأكبر سنا (5-10 سنوات) إلى الحدائق والشواطئ ليساعدوا في إعادة الجمال إليها، وزيارة المرضى، وتقديم الهدايا، وتوزيع المساعدات على المساكين في الجمعيات الخيرية، وهكذا.

 

المصدر : المركز الدولي للأبحاث و الدراسات ( مداد )

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم